السؤال:
النبي موسى عليه السلام قام بالدعاء على فرعون 40 عاماً ، ولم تستجب دعوته ،
رغم تجبر فرعون إلا بعد 40 عاماً..! والسبب : أن فرعون كان شديد البر بأمه
، وبعد وفاتها استجاب الله دعوة موسى عليه السلام ، هل هذا الكلام صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
يقول الله عز وجل : ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ
وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا
عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ
دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ ) يونس/88، 89 .
قال ابن جريج : يقولون : إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة .
"تفسير الطبري" (15 /187) .
وكذا رُوي عن أبي جعفر محمد بن علي والضحاك . انظر" التمهيد " (10 /301) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة " .انتهى من "زاد المسير" (4 /58) .
على أن الذي ذكره من ذكره من
السلف : هو أنه كان بين دعوة موسى على فرعون ، وإجابة الله له : أربعون سنة ، لا
أنه ظل يدعو عليه أربعين سنة ، حتى استجاب له .
ثانيا :
لا يعرف عن فرعون إلا الجبروت والعلوّ في الأرض : ادعى الألوهية ، وظلم بني إسرائيل
، وسامهم سوء العذاب ، فحرمه الله من كل خير ، وأخذه نكال الآخرة والأولى ، وصار في
الناس مثل السوء ، ومضرب الخزي والخسران في كل زمان .
ولا يعرف عنه بر بقريب ، ولا
معروف في غريب ، ولا صلاح في قول ولا فعل .
وما يذكر عنه لعنه الله من
كونه كان بارا بأمه وأن ذلك كان سبب تأخير العقوبة لا أصل له ، فيما نعلم ، ولا
يعرف ذكر ذلك عن أحد من السلف ؛ بل لا يعرف عن أحد أنه ذكره بخير قط .
وما ذُكر آنفا من تأخير
عقوبته أربعين سنة بعد أن دعا عليه موسى وهارون عليهما السلام - إن ثبت - فإنما هو
من إملاء الله له ولقومه ، ليزدادوا إثما فتعظم عقوبتهم ، كما قال تعالى : ( وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ
إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) آل
عمران 178 ؛ وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ
مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) الأعراف:
182، 183 .
قال السعدي رحمه الله : " أي : أمهلهم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون ،
فيزدادون كفرا وطغيانا وشرا إلى شرهم ، وبذلك تزيد عقوبتهم ، ويتضاعف عذابهم ،
فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 310) .
وقال تعالى : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ
كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا
هُمْ مُبْلِسُونَ ) الأنعام/ 44 .
وروى البخاري (4686) ومسلم
(2583) عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى
إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ) قَالَ ثُمَّ قَرَأَ : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ
رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )
.
كما أن من حكمة ذلك أن يمحص الله الذين آمنوا كما قال تعالى : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ
شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/140،141 .
والله أعلم .