النبي - صلى الله عليه وسلم- زوجاً
الحمد لله العلي العظيم، البر الرحيم، جعل الإحسان إلى الزوجة من الدين فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} " وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}, والصلاة والسلام على النبي الحنون العطوف القائل في حجة الوداع: (أوصيكم الله في النساء)، وعلى آله وأصحابه وأزواجه.
أما بعد:
مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم- في حياته المليئة بالالتزامات أفضل زوج في التاريخ، فلم تمنعه كثرة أعماله ومشاغله من إعطاء أزواجه حقوقهن الواجبة عليه، مع أنه كان قائداً للدولة، ومبلغاً للرسالة وقائداً للجيش، ومعلماً للناس إلا أن هذه الأعمال كلها لم تحلْ بينه وبين أزواجه كما هو حال كثير من المسلمين اليوم يضيع حقوق زوجه بحجة الأعمال الكثيرة والالتزامات العديدة، ويا ليت أن الأمر يتوقف عند هذا بل إن بعض الأزواج يعتدي على زوجه بالشتم والسب والضرب، وهؤلاء الأزواج قد خالفوا سنة نبيهم في هديه مع أزواجه.
فالرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يضرب بيده الشريفة الطاهرة أحداً كما قالت عائشة -رضي الله عنها- : (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا)[1] وإنما كان -عليه الصلاة والسلام- زوجاً حنوناً رحيماً يعطف على أزواجه ويرحمهن ويبتسم لهن ويعاملهن معاملة حسنة, معاملة نبوية كريمة، فقد كان - صلى الله عليه وسلم- متزوجا تسعا من النساء إلا أنه لا يمنعه كثرتهن أن يعطي كل واحدة منهن حقها.
فالنوم عندهن كان بالسوية، ينام عند هذه ليلة وعند الأخرى ليلة وعند الثالثة والرابعة وهكذا بقية نسائه - عليه الصلاة والسلام-، فهو لا يُغّلِبَ إحداهن على الأخريات، وإنما بالسوية إلا من تنازلت عن حقها كما تنازلت زينب بليلتها لعائشة -رضي الله عنه- عنهن أجمعين،وكان عليه الصلاة والسلام يصحب زوجاته في السفر، كما صحّ في الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)[2] ، فيحسن إليها ويبتسم لها بل ويمازحها ويضاحكها، ويسابقها كما فعل مع عائشة -رضي الله عنها-.
ثم إنه -عليه الصلاة والسلام- راعى أموراً في حق الزوجية قد تكون صغيرة في أعين الناس ألا وهي التجمل لأزواجه والتزين لهن فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان - صلى الله عليه وسلم- لا يدخل بيته إلا والسواك على فمه، فهو لا يريد أن تشم منه أزواجه رائحة أكله - صلى الله عليه وسلم- ما أطيبه حياً وميتاً، لم يكن عليه الصلاة والسلام- بحاجة لذلك فهو طيب الريح، بأبي هو وأمي ولكنه قدوة للناس، يهتم بكل صغيرة وكبيرة في الحياة الزوجية لأن هذه الأمور لها أثرها الكبير في الحياة الزوجين سلباً وإيجاباً.
والمزاح مع أزواجه لم يكن غائباً عنه -عليه الصلاة والسلام- بل كان حاضراً في كثير من أوقاته مع أهله فعائشة -رضي الله عنها- تقول: كنت أغتسل أنا والرسول - صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد حتى إنه ليقول دعي لي وأقول دع لي" فكان هذا مزاحاً لطيفاً يدل على حسن العشرة النبوية منه - صلى الله عليه وسلم-مع أزواجه. و عن عائشة قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعطيني العظم فأتعرّقه - أي: آكل ما بقي فيه من اللحم وأمصه - ، ثم يأخذه فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي)[3]. فأي حب وأي مودة منه - صلى الله عليه وسلم- لأزواجه؟!
وهو في بيته كان -عليه الصلاة والسلام لا يأنف من أن يقوم ببعض عمل البيت ويساعد أهله، سئلت عائشة - رضي الله عنها- : "ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - أي: في خدمتهم - ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة"[4]. . وفي رواية عند أحمد: كان بشرًا من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. وفي رواية أخرى: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. وهي في صحيح الجامع (4813).
ثم إنه -عليه الصلاة والسلام- كان يتحمل ما يصدر من نسائه ويعذرهن فيما يصدر منهن فقد دخل إحدى الليالي بيت إحدى نسائه ولم تكن ليلتها وإنما دخل ليبول فلما خرج وذهب إلى الأخرى التي هي ليلتها أغلقت عليه الباب ولم تفتح له فكان يقول لها إنما دخلت من أجل البول وهي مصرة على الإغلاق فلما فتحت لم يغضب عليها ولم يضربها مع أنها فعلت فعلاً كبيراً لكنه -عليه الصلاة والسلام- عذرها وعفى عنها.
و ها هو يحن على أزواجه ويعطف علهن فعن أنس قال: (خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر، فرأيت النبي يُحَوِّي لها -أي: لصفية - وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب)[5].
هذا هو محمد- صلى الله عليه وسلم- زوجاً، وهذه هي بعض معاملاته وأخلاقه مع أزواجه فقد كان أفضل الأزواج على الإطلاق. فهل للأزواج اليوم أن يحسنوا معاملة ومعاشرة أزواجهم كما كان نبيهم- صلى الله عليه وسلم-، هل للأزواج أن يغيروا من أسلوب القهر والظلم على الزوجات. آمل أن تكون حيات النبي - صلى الله عليه وسلم- قدوة لنا نجعلها نصب أعيينا في التعامل مع أزواجنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه.
------------------------------------
[1] - مسند أحمد - (ج 53 / ص 358).
[2] - رواه البخاري ومسلم
[3] - رواه مسلم.
[4] - رواه البخاري.
[5] - رواه البخاري.