قصة بدأت بالتعرف عن طريق غرف الدردشة (الشات) ثم تطورت خلال الستة أشهر الى ......
أين
كنت مختفياً طوال المساء، لماذا لم ترد على هاتفك، اتصلت بك أكثر من مليون
مرة وبعدها ماذا؟ أتصل لأجدك قد أقفلته هيا أجبني أين كنت ومع من ولماذا
أقفلت هاتفك من دون أن تكلمني؟ ظل صامتاً لم يرد عليها قالت آلو . . عيسى،
هل تسمعني أجاب بتأفف نعم للأسف أسمعك لكنني أبعدت الهاتف عن أذني رحمة
بها، هكذا إذن؟ يجب أن أترحم على الأيام الماضية عندما كنت تلصق سماعة
الهاتف بأذنك حتى تسمع كلماتي بدقة وتدخل مباشرة إلى قلبك فتنعشه ألم يكن
هذا كلامك يا أستاذ؟ هذا لأن صوتك يا عزيزتي كان كالهمس . . الآن لم يعد
يعجبك صوتي؟ اعترف بأنك لم تعد تحبني، أنا المخطئة منذ بداية علاقتنا فقد
دللتك أكثر مما يجب، وأنت عرفت مقامك فزدت دلالاً، لكن كل ذلك سوف يتبدل من
اليوم فصاعداً سأتبدل ولن تسمع مني الكلام الذي كنت تسمعه سابقاً ولا
الاهتمام سيعود إلى ما كان عليه فقد أجبرتني بتصرفاتك اللامبالية على أن
أدوس فرامل عواطفي الجياشة، قال: عدنا إلى الأسطوانة المشروخة نفسها، ماذا
تعني إنني اردد نفس الكلام؟ أنت لا تصدقني؟ حسناً سوف أثبت لك إنني لا أهدد
ولا أقول كلاماً لا أعنيه سترى فتاة غير الذي كنت تعرفها فأنا جادة هذه
المرة، قال: إن شاء الله، أتسخر مني؟ أجابها: أستغفر الله العظيم ما بك
اليوم منذ أن فتحت عيني وأنت تصرخين؟ ارحمي أوتارك الصوتية وأسلاك الهاتف،
ارحميني يا ابنة الحلال، صرت أكره الهواتف والذي اخترعها من ورائك، سمع
بكاءها فأخذ يضرب رأسه على وسادته قالت وهي تبكي منذ أشهر كنت تريد أن تشيد
تمثالاً لغراهام بل لاختراعه الهاتف والآن أسمع ماذا تقول، أعتذر منك يا
محامية غراهام فأنا لم أقصد أن أهينه أو أهينك لكن يا عزيزتي أنا انتظر
بفارغ الصبر أن تشرق الشمس حتى أسمع صوتك وأكلمك وأنت دائما متأهبة على
سلاحك، لماذا لا تأخذين الأمور ببساطة؟ كلمة صباح الخير أين هي سؤالك عني
وكيف كانت ليلتي هل نمت جيداً أم لا لكني لا أسمع سوى تذمر وتأفف وصراخ
وعتاب، قالت: أفا عليك يا عيسى الآن تقول عزيزتي حتى الأمس كنت تقول حبيبتي
وغناتي على كل حال لا بأس سوف أعديها هذه المرة لكن قل لي أين كنت بالأمس
ولماذا أقفلت خطك؟ قال: لقد تركته في السيارة عندما ترجلت منها لأسلم على
صديق طفولتي الذي وصل من السفر وأصر على أن أدخل منزله وكان جميع الشباب
هناك قلت: دعني أوقف السيارة، وأعود لكنه قال اتركها للسائق وادخل أمسكني
من يدي وسحبني إلى حيث الجميع كانوا أكثر من عشرين شاباً منهم من لم أره
منذ أيام المدرسة لذلك أخذني الوقت، ولم أنتبه أن الساعة أصبحت الواحدة،
ألم تفكر بي كل هذا الوقت ولو لدقيقة؟ ألم تتفقد هاتفك؟ قال صدقيني لا،
قصدي لم يتوقف كلامنا عن الأيام الماضية والسلام على هذا وذاك فكنا
كالأطفال فرحين برؤية بعضنا بعضاً، وتلك الجمعة التي لو خططنا لها لما كانت
بتلك الروعة كما أنني لم أر أحداً ممسكا بهاتفه ويتكلم وإلا كنت بالطبع
تذكرت أنني نسيت هاتفي في السيارة وخرجت لإحضاره وعندما انتهت السهرة وعاد
كل واحد إلى منزله كانت قد أصبحت الساعة الثانية فجراً ووجدت هاتفي مغلقاً
لأن البطارية قد فرغت وعندما شحنتها وفتحته وجدت رقمك ورقم المنزل مرات
عديدة، حتى أمي كادت تموت من القلق علي وفهمت سبب فراغ البطاريات من كثرة
اتصالاتكما وعندما وصلت إلى المنزل وجدت والدتي في انتظاري خارجاً في الحوش
وعندما رأتني ضربتني من قهرها فصرت أضحك منها وهي تتمادى في ضربها
وإهاناتها لي كانت تقول: هذا جزاؤنا لأننا خائفتان عليك، الحق معكما لكن
الأمر لا يستحق كل هذا الشيء هي مرة ومضت افهم قلقكما لكن اعرفا السبب قبل
أن تبدآ بالسباب اتفقنا سامحته أمل بعد أن وعدها بألا يتكرر ما حصل لكن
وكأنه وعدها فقط لينهي المكالمة، أقفلت الخط وجلست تنتظر اتصاله كما كان
يفعل من قبل حين يحصل أي سوء تفاهم بينهما فكان يتصل بها بعد دقائق ليطيب
خاطرها، ويقول لها إنه لا يستطيع العمل أو التفكير بأي شيء إن لم تكن راضية
عنه، فانتظرت وانتظرت لكن الهاتف لم يرن، حزنت وفكرت كم تبدلت معاملته لها
أرادت الاتصال به ولومه لكنها تراجعت، وقالت سأنتظر لأرى متى سيتصل، لكنها
كالعادة لم تستطع فاتصلت به تلومه مجدداً وتقول لماذا لم تتصل فصرخ بها،
بحق من تعبدي دعيني وشأني اليوم لا تكلميني يكفي أنني قضيت طيلة فترة
الصباح وأنا اعتذر منك وعدت الآن تلومينني على شيء تافه فأنا قد تأخرت على
عملي بسببك، أتعلمين شيئاً؟ أنا لم أعد أحتمل يجب أن نجد حلاً سريعاً فأنت
تضغطين جداً علي وأنا لن أحتمل أكثر قالت: هل أفهم أنك لم تعد تريدني؟ صمت
للحظات قبل أن يجيبها بصدمة نعم هذا ما أريده فأجابت بلؤم: فليكن هكذا أفضل
فأقفل الخط في وجهها، صُدمت لدقائق ثم جلست على كرسي قرب النافذة تنظر إلى
السماء فوجدتها ملبدة بالغيوم الرمادية ففكرت في أن الطقس متعاطف مع
حالتها النفسية، عادت بتفكيرها ثمانية أشهر إلى الوراء حين بدأت علاقتها
بعيسى وكيف تعرفت إليه عن طريق الانترنت حيث دخلت إلى موقع وأصبحت في غرفة
الدردشة تمزح وتساير هذا وتلك لتصبح في وقت قصير صديقة الجميع كانت تطلق
على نفسها اسم “شعاع” وعندما انضم هو إلى الغرفة نفسها أطلق على نفسه اسم
“بدر” فقال لها: أنت شعاعي أجابت لماذا؟ قال ألا يقولون شعاع القمر فأنت
شعاع وأنا بدر وهكذا أصبحت تخصص له كل وقتها ثم انتقلا إلى المسنجر وطلب
منها فتح الكاميرا ليراها فرفضت تعجب وقال: إما انك بشعة أو كاذبة أو معقدة
قالت ما رأيك بكلمة “ملتزمة” وعندي مبادئ أليست أفضل؟ تعجب وقال: لكنني
أعرف أن الملتزمة لا تدخل إلى غرف المحادثة وتمزح مع الجميع وهذا يقول لها
حبيبتي وذاك يتغزل بها، قالت: إنهم لا يعرفون شيئاً عني ممكن أن أكون ولداً
لكن لم أعط أحداً منهم بريدي الإلكتروني . أعجبته، وقال حسناً كما تريدين
عندما تصبحين مستعدة قولي لي بالنسبة لي لا فرق عندي كيف يكون شكلك وانا
سأفتح الكاميرا كي ترينني وتعطيني رأيك، أعجبت به “أمل” منذ اللحظة الأولى
التي رأت وجهه الوسيم وأسنانه الرائعة فقال لها ها ما رأيك بي؟ أجابته: لا
بأس بك، قال أوووف لا بأس؟ قالت أجل إنك شاب عادي ككل الشباب ماذا تريدني
أن أقول؟ أجاب: لا بد أنك جميلة جداً حتى ترينني عادياً فأنا يا عزيزتي لست
عادياً أنا شاب وسيم جداً رياضي عندي عضلات لا يملكها أي شاب من رفاقي،
والبنات يتقاتلن حتى أكلم واحدة منهن . ضحكت وقالت: الفتيات أنواع، انا لا
يهمني الشكل كل ما يهمني في الشاب أن يكون مؤدباً خلوقاً يحترم الفتاة التي
يكلمها، ويعتبرها مثل شقيقته . أجابها: لا يا عزيزتي أشكرك فأنا لدي ست
شقيقات ولست في حاجة إلى واحدة أخرى . أجابت: أنا أقصد كما تحب أن يتعامل
غيرك مع شقيقاتك هكذا يجب أن تتعامل مع الفتاة التي تكلمها . مر وقت قبل أن
ترضى “أمل” وتفتح الكاميرا كانت قد أصبحت تعرف تقريباً كل شيء عنه لديها
كل أرقام هواتفه من المنزل إلى غرفته وهاتفه النقال أين يسكن سيارته دراسته
عمله كل شيء، أما هي فلم تعطه شيئاً ولم تخبره إلا بالأشياء التي تريده أن
يعرفها زاد تعلقه بها، ويتمنى أن ترسل له صورتها صرخت ماذا هل جننت قال
عيب عليك يا “أمل” ألا تثقين بي أتخافين أن انشر صورتك مثلاً؟ ألم تعرفيني
كفاية؟ ثم أنت يوم كلمتني وطلبت مني أن أعاملك كما أحب أن تعامل شقيقاتي
وضعتني أمام مسؤولية كبيرة وهذا كاف بالنسبة لي حتى أضعك في عيوني ثم إنني
ابن عائلة محترمة ومحافظة ولست من الشارع، تأثرت “أمل” بكلامه واعتذرت منه،
وقالت لأثبت لك القول بالفعل سأفتح الكاميرا وأدعك تراني، سبحان الخالق ما
شاء الله، كل هذا الجمال أخفيته عني شهراً كاملاً، خجلت وقالت: حسناً
سأقفلها الآن صرخ لا أرجوك لم أشبع من النظر إليك بعد دعيها قليلاً من فضلك
وهكذا أصبحا يتكلمان بالصوت والصورة ثم حان الوقت للكلام على الهاتف وبدأت
علاقتهما البريئة تتطور لتصبح حباً جارفاً من الطرفين وما هي إلا أشهر حتى
طلب منها عنوان منزلها ليأتي مع أهله لخطبتها . طارت “أمل” من الفرح لكنها
قالت له إن عرف أهلنا كيف تعارفنا سوف تضعنا في موقف حرج فقال: معك حق لما
لا نقول أننا التقينا صدفة عندما كنت أوصل شقيقتي إلى مكان ما تذهبين أنت
إليه غالباً أجابته نعم معك حق فأنا أذهب مرتين في الأسبوع إلى طبيب
الأسنان القريب من منزلنا قال وهو يمازحها لا تقولي أن أسنانك صفراء أو
مكسرة أو أنك تضعين طقم أسنان ضحكت قائلة: لا لكنني أخاف من التسوس فزرت
الطبيب للتأكد ووجد أن ضرسين في الخلف قد بدآ السوس بنخرهما وكما تعلم كلما
أبكرنا في العلاج كان أفضل اتفقا لكنه قال يجب أن أراك قبل ذلك رفضت بسرعة
فقال اهدئي ستأتي شقيقتي معي فهي من المفترض أن تعرفك وتعرفيها ثم إنكما
تبادلتما رقم الهاتف وإلا كيف لي أن اعرف شيئاً عنك، سوف يتساءلون عن ذلك
وافقت على كلامه وذهبت لرؤيته للمرة الأولى هي برفقة شقيقتها التي تعرف كل
شيء عن علاقتهما وشقيقته التي علمت بالأمر مؤخراً كاد المطعم لا يسعه من
الفرحة التي تملكته عندما رآها تقف أمامه بكل جمالها وقامتها الممشوقة
وعطرها الفواح وعباءتها الراقية . رأى خصلة من شعرها الأسود اللامع تنسدل
على جبينها من تحت شيلتها التي تزيدها جمالاً ورقة، أما هي فكان قلبها يخفق
بسرعة لأنه أوسم مما تراه على الكاميرا فهو ما شاء الله طويل القامة عضلات
ذراعيه تبرز من قميصه أحبت ضحكته وأسنانه، شعره، كلامه، نظراته إليها،
جلسا لساعة تقريبا يخططان لكل شيء ثم ودعوا بعضهم بعضاً جميعاً على أمل
اللقاء قريبا في منزلها، ذهبت في الليلة نفسها تبلغ والدتها أن هناك شاباً
يريد أن يتقدم لخطبتها وطبعا أخبرتها كيف تعرفت إلى شقيقته عند الطبيب، حيث
كان هو ينتظرها ورآها فأعجب بها قالت لها والدتها: أهلاً وسهلاً بهم سأخبر
والدك بالأمر وسأدعه يسأل عنه وعن عائلته، وهكذا تمت خطبتهما خلال فترة لا
تتعدى ستة أشهر إلى أن بدأت المشاكل تدخل حياتهما رويداً رويداً، فأصبحت
تشعر بإهماله لها وابتعاده عنها مع أنها ليست الحقيقة فهو يحبها فعلاً
ومخلص لها جدا لكنها كانت بلا عمل فقط جالسة في انتظار مكالماته فلا تفهم
أنه في دوامه لا يستطيع أن يكلمها كل دقيقة فهو لا يجلس خلف مكتبه فقط
فلديه زبائن أجانب يحسبون الوقت بالثانية وليسوا مثلنا نضيع الوقت بشرب
الشاي والقهوة والتكلم على الهاتف . أرادته أن يبقى يكلمها على مدار أربع
وعشرين ساعة . في البداية كان يكلمها كل خمس دقائق عدة كلمات لكن مع مرور
الوقت بدأ يخفف اتصالاته فقد ترقى في عمله، وأصبح نائب المدير العام لتلك
الشركة الضخمة التي يملكها ثري عربي كبير والذي كان لا يثق إلا بعيسى لما
يملك من “كاريزما” وحب للعمل، تنهدت “أمل” تنهيدة عميقة نابعة من قلبها
واجتاحتها الكآبة تساءلت: هل أن تصرفاتها طفولية أم أنه مل منها؟ لقد أصبحت
مشاعره باردة لم تعد متقدة مثل قبل في حديثه بالهاتف، أصبح سطحيا وسخيفاً
أين عيسى قبل خمسة أشهر؟ لكنها قررت هذه المرة أن تقاوم وتصمد فلن تتصل به
إن هو لم يفعل لن تذل نفسها أكثر لقد مر شهر على تلك القصة، لا هو اتصل ولا
هي أهلها يسألونها عنه وأهله يسألونه عنها بالنسبة له كانت فترة راحة من
حرق الأعصاب ومحاولة إرضائها ارتاح من تقلصات معدته وتفرغ كليا لعمله، أما
بالنسبة لها فكانت لسعات عقرب الغيرة لا تفارقها كانت تتخيله وهو يكلم
غيرها فيجن جنونها أصبحت لياليها بيضاء سهر وأرق تنتظر اتصاله بفارغ الصبر
تتذكر حديثه فيحرك شجونها تتمنى سماع صوته حتى لو كلمها بأشياء سخيفة
ورتيبة المهم أن يكلمها كرامتها تمنعها من الإمساك بالهاتف ما هذا الذي
يطلقون عليه اسم الحب؟ إنه مزيج من الفرح والحزن من الراحة والعذاب من
البكاء والضحك من العسل والعلقم، والأكبر منه هو الألم . . ألم الفراق، فهي
لم تعد تحتمل قررت إنهاء عذاب قلبها وصمودها انهارت مقاومتها فهو سيشعر
بجرح في كبريائه الذكوري إن أقدم على الاتصال بها فقالت سأتصل لأجس نبضه
وأطلب منه اللقاء لأعيد له ذهبه وهداياه وسوف أرى ردة فعله، طلبت رقمه
بأصابع مرتجفة فرد بسرعة كمن ينتظر بفارغ الصبر، وقال: حبيبتي اشتقت إليك
لم أعهدك قاسية هكذا! أرادت أن تصرخ في وجهه وتؤنبه لكنها بدلاً من ذلك
أمسكت بسماعة الهاتف تمطرها بالقبلات وترد عليه قائلة: وأنا أيضا . أجابها:
ما رأيك أن آتي إليك لنضع اللمسات الأخيرة على حفلة زفافنا التي أصبحت
قريبة فقد أضعنا الكثير من الوقت، حسناً أنا في انتظارك لا تتأخر
أين
كنت مختفياً طوال المساء، لماذا لم ترد على هاتفك، اتصلت بك أكثر من مليون
مرة وبعدها ماذا؟ أتصل لأجدك قد أقفلته هيا أجبني أين كنت ومع من ولماذا
أقفلت هاتفك من دون أن تكلمني؟ ظل صامتاً لم يرد عليها قالت آلو . . عيسى،
هل تسمعني أجاب بتأفف نعم للأسف أسمعك لكنني أبعدت الهاتف عن أذني رحمة
بها، هكذا إذن؟ يجب أن أترحم على الأيام الماضية عندما كنت تلصق سماعة
الهاتف بأذنك حتى تسمع كلماتي بدقة وتدخل مباشرة إلى قلبك فتنعشه ألم يكن
هذا كلامك يا أستاذ؟ هذا لأن صوتك يا عزيزتي كان كالهمس . . الآن لم يعد
يعجبك صوتي؟ اعترف بأنك لم تعد تحبني، أنا المخطئة منذ بداية علاقتنا فقد
دللتك أكثر مما يجب، وأنت عرفت مقامك فزدت دلالاً، لكن كل ذلك سوف يتبدل من
اليوم فصاعداً سأتبدل ولن تسمع مني الكلام الذي كنت تسمعه سابقاً ولا
الاهتمام سيعود إلى ما كان عليه فقد أجبرتني بتصرفاتك اللامبالية على أن
أدوس فرامل عواطفي الجياشة، قال: عدنا إلى الأسطوانة المشروخة نفسها، ماذا
تعني إنني اردد نفس الكلام؟ أنت لا تصدقني؟ حسناً سوف أثبت لك إنني لا أهدد
ولا أقول كلاماً لا أعنيه سترى فتاة غير الذي كنت تعرفها فأنا جادة هذه
المرة، قال: إن شاء الله، أتسخر مني؟ أجابها: أستغفر الله العظيم ما بك
اليوم منذ أن فتحت عيني وأنت تصرخين؟ ارحمي أوتارك الصوتية وأسلاك الهاتف،
ارحميني يا ابنة الحلال، صرت أكره الهواتف والذي اخترعها من ورائك، سمع
بكاءها فأخذ يضرب رأسه على وسادته قالت وهي تبكي منذ أشهر كنت تريد أن تشيد
تمثالاً لغراهام بل لاختراعه الهاتف والآن أسمع ماذا تقول، أعتذر منك يا
محامية غراهام فأنا لم أقصد أن أهينه أو أهينك لكن يا عزيزتي أنا انتظر
بفارغ الصبر أن تشرق الشمس حتى أسمع صوتك وأكلمك وأنت دائما متأهبة على
سلاحك، لماذا لا تأخذين الأمور ببساطة؟ كلمة صباح الخير أين هي سؤالك عني
وكيف كانت ليلتي هل نمت جيداً أم لا لكني لا أسمع سوى تذمر وتأفف وصراخ
وعتاب، قالت: أفا عليك يا عيسى الآن تقول عزيزتي حتى الأمس كنت تقول حبيبتي
وغناتي على كل حال لا بأس سوف أعديها هذه المرة لكن قل لي أين كنت بالأمس
ولماذا أقفلت خطك؟ قال: لقد تركته في السيارة عندما ترجلت منها لأسلم على
صديق طفولتي الذي وصل من السفر وأصر على أن أدخل منزله وكان جميع الشباب
هناك قلت: دعني أوقف السيارة، وأعود لكنه قال اتركها للسائق وادخل أمسكني
من يدي وسحبني إلى حيث الجميع كانوا أكثر من عشرين شاباً منهم من لم أره
منذ أيام المدرسة لذلك أخذني الوقت، ولم أنتبه أن الساعة أصبحت الواحدة،
ألم تفكر بي كل هذا الوقت ولو لدقيقة؟ ألم تتفقد هاتفك؟ قال صدقيني لا،
قصدي لم يتوقف كلامنا عن الأيام الماضية والسلام على هذا وذاك فكنا
كالأطفال فرحين برؤية بعضنا بعضاً، وتلك الجمعة التي لو خططنا لها لما كانت
بتلك الروعة كما أنني لم أر أحداً ممسكا بهاتفه ويتكلم وإلا كنت بالطبع
تذكرت أنني نسيت هاتفي في السيارة وخرجت لإحضاره وعندما انتهت السهرة وعاد
كل واحد إلى منزله كانت قد أصبحت الساعة الثانية فجراً ووجدت هاتفي مغلقاً
لأن البطارية قد فرغت وعندما شحنتها وفتحته وجدت رقمك ورقم المنزل مرات
عديدة، حتى أمي كادت تموت من القلق علي وفهمت سبب فراغ البطاريات من كثرة
اتصالاتكما وعندما وصلت إلى المنزل وجدت والدتي في انتظاري خارجاً في الحوش
وعندما رأتني ضربتني من قهرها فصرت أضحك منها وهي تتمادى في ضربها
وإهاناتها لي كانت تقول: هذا جزاؤنا لأننا خائفتان عليك، الحق معكما لكن
الأمر لا يستحق كل هذا الشيء هي مرة ومضت افهم قلقكما لكن اعرفا السبب قبل
أن تبدآ بالسباب اتفقنا سامحته أمل بعد أن وعدها بألا يتكرر ما حصل لكن
وكأنه وعدها فقط لينهي المكالمة، أقفلت الخط وجلست تنتظر اتصاله كما كان
يفعل من قبل حين يحصل أي سوء تفاهم بينهما فكان يتصل بها بعد دقائق ليطيب
خاطرها، ويقول لها إنه لا يستطيع العمل أو التفكير بأي شيء إن لم تكن راضية
عنه، فانتظرت وانتظرت لكن الهاتف لم يرن، حزنت وفكرت كم تبدلت معاملته لها
أرادت الاتصال به ولومه لكنها تراجعت، وقالت سأنتظر لأرى متى سيتصل، لكنها
كالعادة لم تستطع فاتصلت به تلومه مجدداً وتقول لماذا لم تتصل فصرخ بها،
بحق من تعبدي دعيني وشأني اليوم لا تكلميني يكفي أنني قضيت طيلة فترة
الصباح وأنا اعتذر منك وعدت الآن تلومينني على شيء تافه فأنا قد تأخرت على
عملي بسببك، أتعلمين شيئاً؟ أنا لم أعد أحتمل يجب أن نجد حلاً سريعاً فأنت
تضغطين جداً علي وأنا لن أحتمل أكثر قالت: هل أفهم أنك لم تعد تريدني؟ صمت
للحظات قبل أن يجيبها بصدمة نعم هذا ما أريده فأجابت بلؤم: فليكن هكذا أفضل
فأقفل الخط في وجهها، صُدمت لدقائق ثم جلست على كرسي قرب النافذة تنظر إلى
السماء فوجدتها ملبدة بالغيوم الرمادية ففكرت في أن الطقس متعاطف مع
حالتها النفسية، عادت بتفكيرها ثمانية أشهر إلى الوراء حين بدأت علاقتها
بعيسى وكيف تعرفت إليه عن طريق الانترنت حيث دخلت إلى موقع وأصبحت في غرفة
الدردشة تمزح وتساير هذا وتلك لتصبح في وقت قصير صديقة الجميع كانت تطلق
على نفسها اسم “شعاع” وعندما انضم هو إلى الغرفة نفسها أطلق على نفسه اسم
“بدر” فقال لها: أنت شعاعي أجابت لماذا؟ قال ألا يقولون شعاع القمر فأنت
شعاع وأنا بدر وهكذا أصبحت تخصص له كل وقتها ثم انتقلا إلى المسنجر وطلب
منها فتح الكاميرا ليراها فرفضت تعجب وقال: إما انك بشعة أو كاذبة أو معقدة
قالت ما رأيك بكلمة “ملتزمة” وعندي مبادئ أليست أفضل؟ تعجب وقال: لكنني
أعرف أن الملتزمة لا تدخل إلى غرف المحادثة وتمزح مع الجميع وهذا يقول لها
حبيبتي وذاك يتغزل بها، قالت: إنهم لا يعرفون شيئاً عني ممكن أن أكون ولداً
لكن لم أعط أحداً منهم بريدي الإلكتروني . أعجبته، وقال حسناً كما تريدين
عندما تصبحين مستعدة قولي لي بالنسبة لي لا فرق عندي كيف يكون شكلك وانا
سأفتح الكاميرا كي ترينني وتعطيني رأيك، أعجبت به “أمل” منذ اللحظة الأولى
التي رأت وجهه الوسيم وأسنانه الرائعة فقال لها ها ما رأيك بي؟ أجابته: لا
بأس بك، قال أوووف لا بأس؟ قالت أجل إنك شاب عادي ككل الشباب ماذا تريدني
أن أقول؟ أجاب: لا بد أنك جميلة جداً حتى ترينني عادياً فأنا يا عزيزتي لست
عادياً أنا شاب وسيم جداً رياضي عندي عضلات لا يملكها أي شاب من رفاقي،
والبنات يتقاتلن حتى أكلم واحدة منهن . ضحكت وقالت: الفتيات أنواع، انا لا
يهمني الشكل كل ما يهمني في الشاب أن يكون مؤدباً خلوقاً يحترم الفتاة التي
يكلمها، ويعتبرها مثل شقيقته . أجابها: لا يا عزيزتي أشكرك فأنا لدي ست
شقيقات ولست في حاجة إلى واحدة أخرى . أجابت: أنا أقصد كما تحب أن يتعامل
غيرك مع شقيقاتك هكذا يجب أن تتعامل مع الفتاة التي تكلمها . مر وقت قبل أن
ترضى “أمل” وتفتح الكاميرا كانت قد أصبحت تعرف تقريباً كل شيء عنه لديها
كل أرقام هواتفه من المنزل إلى غرفته وهاتفه النقال أين يسكن سيارته دراسته
عمله كل شيء، أما هي فلم تعطه شيئاً ولم تخبره إلا بالأشياء التي تريده أن
يعرفها زاد تعلقه بها، ويتمنى أن ترسل له صورتها صرخت ماذا هل جننت قال
عيب عليك يا “أمل” ألا تثقين بي أتخافين أن انشر صورتك مثلاً؟ ألم تعرفيني
كفاية؟ ثم أنت يوم كلمتني وطلبت مني أن أعاملك كما أحب أن تعامل شقيقاتي
وضعتني أمام مسؤولية كبيرة وهذا كاف بالنسبة لي حتى أضعك في عيوني ثم إنني
ابن عائلة محترمة ومحافظة ولست من الشارع، تأثرت “أمل” بكلامه واعتذرت منه،
وقالت لأثبت لك القول بالفعل سأفتح الكاميرا وأدعك تراني، سبحان الخالق ما
شاء الله، كل هذا الجمال أخفيته عني شهراً كاملاً، خجلت وقالت: حسناً
سأقفلها الآن صرخ لا أرجوك لم أشبع من النظر إليك بعد دعيها قليلاً من فضلك
وهكذا أصبحا يتكلمان بالصوت والصورة ثم حان الوقت للكلام على الهاتف وبدأت
علاقتهما البريئة تتطور لتصبح حباً جارفاً من الطرفين وما هي إلا أشهر حتى
طلب منها عنوان منزلها ليأتي مع أهله لخطبتها . طارت “أمل” من الفرح لكنها
قالت له إن عرف أهلنا كيف تعارفنا سوف تضعنا في موقف حرج فقال: معك حق لما
لا نقول أننا التقينا صدفة عندما كنت أوصل شقيقتي إلى مكان ما تذهبين أنت
إليه غالباً أجابته نعم معك حق فأنا أذهب مرتين في الأسبوع إلى طبيب
الأسنان القريب من منزلنا قال وهو يمازحها لا تقولي أن أسنانك صفراء أو
مكسرة أو أنك تضعين طقم أسنان ضحكت قائلة: لا لكنني أخاف من التسوس فزرت
الطبيب للتأكد ووجد أن ضرسين في الخلف قد بدآ السوس بنخرهما وكما تعلم كلما
أبكرنا في العلاج كان أفضل اتفقا لكنه قال يجب أن أراك قبل ذلك رفضت بسرعة
فقال اهدئي ستأتي شقيقتي معي فهي من المفترض أن تعرفك وتعرفيها ثم إنكما
تبادلتما رقم الهاتف وإلا كيف لي أن اعرف شيئاً عنك، سوف يتساءلون عن ذلك
وافقت على كلامه وذهبت لرؤيته للمرة الأولى هي برفقة شقيقتها التي تعرف كل
شيء عن علاقتهما وشقيقته التي علمت بالأمر مؤخراً كاد المطعم لا يسعه من
الفرحة التي تملكته عندما رآها تقف أمامه بكل جمالها وقامتها الممشوقة
وعطرها الفواح وعباءتها الراقية . رأى خصلة من شعرها الأسود اللامع تنسدل
على جبينها من تحت شيلتها التي تزيدها جمالاً ورقة، أما هي فكان قلبها يخفق
بسرعة لأنه أوسم مما تراه على الكاميرا فهو ما شاء الله طويل القامة عضلات
ذراعيه تبرز من قميصه أحبت ضحكته وأسنانه، شعره، كلامه، نظراته إليها،
جلسا لساعة تقريبا يخططان لكل شيء ثم ودعوا بعضهم بعضاً جميعاً على أمل
اللقاء قريبا في منزلها، ذهبت في الليلة نفسها تبلغ والدتها أن هناك شاباً
يريد أن يتقدم لخطبتها وطبعا أخبرتها كيف تعرفت إلى شقيقته عند الطبيب، حيث
كان هو ينتظرها ورآها فأعجب بها قالت لها والدتها: أهلاً وسهلاً بهم سأخبر
والدك بالأمر وسأدعه يسأل عنه وعن عائلته، وهكذا تمت خطبتهما خلال فترة لا
تتعدى ستة أشهر إلى أن بدأت المشاكل تدخل حياتهما رويداً رويداً، فأصبحت
تشعر بإهماله لها وابتعاده عنها مع أنها ليست الحقيقة فهو يحبها فعلاً
ومخلص لها جدا لكنها كانت بلا عمل فقط جالسة في انتظار مكالماته فلا تفهم
أنه في دوامه لا يستطيع أن يكلمها كل دقيقة فهو لا يجلس خلف مكتبه فقط
فلديه زبائن أجانب يحسبون الوقت بالثانية وليسوا مثلنا نضيع الوقت بشرب
الشاي والقهوة والتكلم على الهاتف . أرادته أن يبقى يكلمها على مدار أربع
وعشرين ساعة . في البداية كان يكلمها كل خمس دقائق عدة كلمات لكن مع مرور
الوقت بدأ يخفف اتصالاته فقد ترقى في عمله، وأصبح نائب المدير العام لتلك
الشركة الضخمة التي يملكها ثري عربي كبير والذي كان لا يثق إلا بعيسى لما
يملك من “كاريزما” وحب للعمل، تنهدت “أمل” تنهيدة عميقة نابعة من قلبها
واجتاحتها الكآبة تساءلت: هل أن تصرفاتها طفولية أم أنه مل منها؟ لقد أصبحت
مشاعره باردة لم تعد متقدة مثل قبل في حديثه بالهاتف، أصبح سطحيا وسخيفاً
أين عيسى قبل خمسة أشهر؟ لكنها قررت هذه المرة أن تقاوم وتصمد فلن تتصل به
إن هو لم يفعل لن تذل نفسها أكثر لقد مر شهر على تلك القصة، لا هو اتصل ولا
هي أهلها يسألونها عنه وأهله يسألونه عنها بالنسبة له كانت فترة راحة من
حرق الأعصاب ومحاولة إرضائها ارتاح من تقلصات معدته وتفرغ كليا لعمله، أما
بالنسبة لها فكانت لسعات عقرب الغيرة لا تفارقها كانت تتخيله وهو يكلم
غيرها فيجن جنونها أصبحت لياليها بيضاء سهر وأرق تنتظر اتصاله بفارغ الصبر
تتذكر حديثه فيحرك شجونها تتمنى سماع صوته حتى لو كلمها بأشياء سخيفة
ورتيبة المهم أن يكلمها كرامتها تمنعها من الإمساك بالهاتف ما هذا الذي
يطلقون عليه اسم الحب؟ إنه مزيج من الفرح والحزن من الراحة والعذاب من
البكاء والضحك من العسل والعلقم، والأكبر منه هو الألم . . ألم الفراق، فهي
لم تعد تحتمل قررت إنهاء عذاب قلبها وصمودها انهارت مقاومتها فهو سيشعر
بجرح في كبريائه الذكوري إن أقدم على الاتصال بها فقالت سأتصل لأجس نبضه
وأطلب منه اللقاء لأعيد له ذهبه وهداياه وسوف أرى ردة فعله، طلبت رقمه
بأصابع مرتجفة فرد بسرعة كمن ينتظر بفارغ الصبر، وقال: حبيبتي اشتقت إليك
لم أعهدك قاسية هكذا! أرادت أن تصرخ في وجهه وتؤنبه لكنها بدلاً من ذلك
أمسكت بسماعة الهاتف تمطرها بالقبلات وترد عليه قائلة: وأنا أيضا . أجابها:
ما رأيك أن آتي إليك لنضع اللمسات الأخيرة على حفلة زفافنا التي أصبحت
قريبة فقد أضعنا الكثير من الوقت، حسناً أنا في انتظارك لا تتأخر