وإذا لم يكن كل يوم فليكن كل أسبوع كيوم الجمعة مثلاً،
وإلا تذهب حياتك في غمرة الزحام.
[SIZE="4"]وحين تجلس مع نفسك ينبغي أن تسأل نفسك سؤالاً واحداً:[/SIZE]
أين أنا من طريق الله؟
يمكنني أن أضحك عليك، وأنت تضحك علي، ويضحك بعضنا على بعض،
لكن لا يستطيع أحد أن يضحك على الله.
وأيضاً لا يستطيع الإنسان أن يضحك حتى على فطرته،
إن الحلال والحرام لا يحتاج إلى سؤال،
[SIZE="3"]أي [/SIZE]: أن الأمر لا يحتاج إلى عالم لتسأله:
هل الموضوع هذا حلال، أم أنه حرام؟
بل ما دام أنه تلجلج في صدرك فهذا دليل على أنه ليس حلالاً فلم السؤال؟
فمدلول الكلمة العربية نفسها يدل على ذلك،
فأنت عندما تقول: حلال، تجد الفم مفتوحاً أثناء النطق بها،
فلا أحد يستطيع أن يقول: حلال وفمه مغلق!
كما أنك عندما تقول: حرام، تجد أن فمك مغلقاً، ولا أحد يستطيع أن يقول حرام وفمه مفتوح.
[SIZE="3"]إذاً:[/SIZE] فالحلال في النور، والحرام في الظلام، فأنت تعمل الحلال أمام الناس جميعاً،
[SIZE="4"]ومن الممارسات اليومية
التي تدل على ذلك [/SIZE] أنك حين تذهب لموظف الخزنة لتطلب مستحقاتك تطرق الباب بكل جرأة وشجاعة، وتسأله مستحقاتك بصوت جريء مسموع،
لكن لو أن الموظف يأخذ الرشوة فسيتحرى خلو المكان،
والتحدث بهدوء، ويحرص على ألا يشعر به أحد؛ إذ الحرام لا يستطيع أن يمارسه العبد أمام الناس،
وهكذا في كل شيء، فكل ما تلجلج في صدرك عرفت حرمته ولم تحتج إلى سؤال. [SIZE="4"] وهو يصدق فيه وصف النبي صلى الله عليه وسلم:[/SIZE] [SIZE="3"](الحرام ما تلجلج في صدرك، وخشيت أن يطلع الناس عليه)، [/SIZE]
فالإنسان عندما يعيد حساباته وهو في طريق الهداية يجد أنه غريب في المجتمع.
[SIZE="4"] الذي يؤرقني ويزعجني أمران:[/SIZE]
فإن الرجل عندما يكون مهتدياً وزوجته بعيدة عن الهداية لا تكون المشكلة كما لو أن المرأة هي التي اهتدت والرجل هو البعيد عن الهداية،
كما أن هذه أهون مما لو كان الولد هو الذي اهتدى إلى الطريق المستقيم
والأب والأم بعيدان عن الهداية.
[SIZE="4"]أما الموقف الأول: وهو غربة الزوجة في بيتها مع زوجها،[/SIZE]
فإنها عندما تعرف وتتذوق طعم الهداية فالرجل يصبح مثل المجنون، فلا تراه إلا شاكياً:
فيبدأ يعمل القيود والأوامر ليضيق عليها، فهذه نوع من الغربة الشديدة. [SIZE="4"] وهناك نوع آخر من الغربة يعيشه الشباب،[/SIZE]
فهناك شاباً عمره قرابة العشرين أو خمس وعشرين سنة،
يأتي أبوه بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً ويغلق الباب ويأخذ المفتاح ليضعه تحت الوسادة؛ لكي لا ينزل الابن ليصلي الفجر في المسجد!
فكيف ترى أمر هذا الشاب المستقيم على طريق الله، الذي لا يبعد أن الله يرحم هذه الأسرة من أجله،
[SIZE="4"]لكن[/SIZE] المصيبة والطامة أن هذا الابن لو سهر في النادي إلى الساعة الواحدة، وأكمل سهرته على القهوة، يقول أبوه:
[SIZE="3"]لا إشكال لدي طالما أن ابني بعيد عن أصحاب المسجد والملتزمين! [/SIZE] وكم من آباء وأمهات يبكون ويشكون مر الشكوى، يتمنى الواحد منهم لو أن ابنه يترك شتمه وأذاه.
ولذلك أقول:
إن الغربة التي يشعر بها المؤمن سواء المستقيم في العائلة، أو المستقيم في المجتمع غربة ليست هينة،
فإذا ذهبت أنت وزوجتك عند أقربائها للزيارة فيدخل ابن عمها: د
كيف حالك يا زينب؟ فتجيبه: أهلاً وسهلاً،
فيمد يده ليصافح، فإذا امتنعت عن المصافحة
لا تسمع إلا عبارات اللوم والتوبيخ........ يبدو أنها انحرفت،
وزوجها يشعر بالاستحياء والخجل؛
لأن زوجته أصبحت إرهابية عندما لا تصافح.
فالرجل يشعر أنه خطأ،
رغم أنه سعيد أن امرأته لا تسلم، وأن امرأته أصبحت -بما يشبه- قطاعاً خاصاً وملكاً خاصاً له
لا يلمسه أحد، فرغم قناعته بسلامة طريقة زوجته في التعامل مع الناس لكنه يستحي من صنيعها،
فيقول لها:
لا إشكال فهو ابن عمك، فتقول: عيب يا أستاذ ! هو أجنبي،
نعم هو في الفقه أجنبي. فالأجنبي هو الذي يجوز له أن يتزوجها،
يقول لك:
يا أستاذ ! عيب هذا في سن والدها،
فالسؤال:
هل ينفع أن يتزوجها أم لا ينفع؟
يقول لك : يا أستاذ! كيف يتزوجها مادام هي زوجتي؟!
والجواب: ماذا لو طلقتها أنت هذا اليوم هل يصح لهذا أن يتزوجها؟ فيجيبك: نعم، يصح.
إذاً: فلا يجوز أن تسلم عليه.
ولك أن تنظر إلى السخرية التي تنال الموظفة كل صباح في المكتب لو تركت السلام،
وأغرب من ذلك عندما تتحجب الموظفة،
ومع ذلك لا تسلم من اللوم والتعنيف والسخرية: هل تحجبتي؟!
فتقول: الحمد لله، وحين يسأل الشيخ عن حجابها يقول لك: هذا ليس حجاباً، فتشعر أنها في حالة من الغربة شديدة.
والكارثة أنها حين تبتدئ متدرجة نحو الحجاب الصحيح حيث يصبح المنديل طرحة،
والطرحة تصبح خماراً، تفاجأ بمن يقول لها: ما دمت تحجبت فإن زوجك سيتزوج عليك!!
ولا ندري ما علاقة الحجاب بأن زوجها سيتزوج عليها؟
وحتى لو تزوج ما علاقة هذه بهذه؟! [SIZE="3"] فتجد التعليلات السخيفة:[/SIZE]
لو تحجبت سينظر زوجك إلى الخارج. سبحان الله!
هل قيل لها تحجبي على زوجك، أم تحجبي على الغريب؟!
بل قد يقول بعض الأزواج السذج مثل هذا الكلام. سبحان الله!
وهذا يدل على أن هذا الزوج ينظر إلى الخارج تحجبت أم لم تتحجب! فما علاقة أن المرأة تتحجب؟!
والإسلام عندما شرع الحجاب هل....
اعتبر أن المرأة جالسة خارج البيت أربعاً وعشرين ساعة أو جالسة ساعة كل أسبوع في الخارج للضرورة؟!
الحالة الثانية بالطبع، بمعنى: أن المرأة لا تخرج إلا للضرورة، وإن كانت تعمل فهي تعمل للضرورة،
وإن كانت تخرج فهي تخرج مضطرة، إذاً فأكثر وقت المرأة في البيت، فهي قاعدة في البيت لا محتجبة.
والشيطان يأتي ويقول لها:
لو تحجبتي فإن شعرك الناعم سيتساقط وتصبحين بلا شعر، فتخاف،
وقد تحجم عن الحجاب إن كانت ضعيفة،
ومنهم النساء التي بلغت ثمانين سنة أو ما يقاربها قد أبيض شعرها فتقول:
اصبغوه لي بالأسود، ومع أن هناك صبغة غير الأسود،
فإن من الحماقة فعل ذلك؛ إذ كيف لا يوجد أسنان وهناك شعر أسود!!
كما أن رسولنا صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه أبو قحافة والد سيدنا أبي بكر وهو في الثمانين من عمره، وقد أبيض شعر رأسه وشعر لحيته، قال: (غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد).
ليس أضنى لفؤادي من عجوز تتصابا وعليم يتغابى وجهول يملئ الأرض سؤالاً وجواباً
وفي الحديث:
(حتى إذا بلغ العبد الستين قال الله للملائكة: أحسنوا إلى أسيري في الأرض، فإذا بلغ السبعين قال: تجاوزوا لعبدي عن سيئاته -أي: لو أخطأ خطأ لا تحاسبوه عليه-، فإذا بلغ الثمانين قال: عبدي شاب شعرك، واحدودب ظهرك، ووهن عظمك، فاستحي مني فإني أستحي أن أعذبك)، فكبير السن يستحي الله منه وهو غير مستح من نفسه، سبحان الله!
والمراد: أن الغربة التي يحياها المؤمن أمر طبيعي أخبر عن فضله النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
(فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يكثرون عندما يقل الناس)
وليس المراد أنهم يكثرون عدداً، وإنما يكثرون هداية عندما يقل إقبال الناس على الهداية.
فأنت إذا شعرت بغربة في بيتك، أو في عائلتك،
فاعلم أنك على الحق طالما أنت تأخذ من الكتاب والسنة،
وطالما أنت لا تعمل خطأ،
بل تعمل ما أمرك به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأخبرك العلماء به عنه،
فثق أن هذه الغربة التي تحياها أمر طبيعي، فأمر الغربة مرتبة من مراتب الهداية.