الجنة
الجنة الجنة الجنة
لتكن رحلتنا اليوم في روضات الإيمان
ونستعرض زهورها العابقة بالسعادة والاطمئنان وسيكون لقائنا اليوم عن جنات
الرضوان، جعلنا الله وإياكم من عباد الرحمن الذين سيسكنون الجنان.
السعادة، ما
أجملها من كلمة وما أعذبها من لفظه وما أشهاها من لذة وما أطيبها من هدف
يسمو إليه الجميع ولكن يا ترى من هو السعيد؟ بحثت في الدنيا لأرى من هو
السعيد وماهي السعادة؟ فما وجدت الفقير سعيد ولا حتى الغني سعيد، وما وجدت
السقيم سعيد ولا حتى الصحيح سعيد، الكل يشتكي المتزوج والأعزب، العقيم ومن
أنجب، القوي والضعيف والعزيز و الذليل، الرئيس والغفير، كل واحد يظن انه هو
فقط التعيس ولكن إن سألت وجدت الكل في ضنك وشقاء وتعاسة يبحث عن السعادة.
ولما
لا؟ والدنيا دار شقاء، دار كبد ونصب وعناء، نعيمها زائل، وسعادتها مكدرة،
عسلها ممزوج بسمها، وسعادتها ممزوجة بتعاستها، ظل زائل وعارية مستردة ما
لها من دوام، سراب يحسبه الظمئان ماء حتى إذا أتاه لم يجده شيئا، خدعت
الكثير بزخرفها وخداعها ومكرها وزينتها فلم يفطنوا إلى حقيقتها وأنها عجوز
غبراء شمطاء متزينة تبدو كالعروس.
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي
الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ
نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً
وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
[الحديد:20]
آه يا لضعف اليقين
في كلام رب العالمين، حقا يا الله الحياة الدنيا لعب ولهو, تلعب بها
الأبدان وتلهو بها القلوب, وزينة وتفاخر , وتكاثر بالعدد في الأموال
والأولاد, مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته, ثم يهيج هذا النبات
فييبس, فتراه مصفرًا بعد خضرته, ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا, وفي
الآخرة عذاب شديد لمن فضلها على الآخرة ومغفرة من الله ورضوان لأهل
الإيمان. و سيعلم الحقيقة في النهاية فما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور،
احذروها فهي كاذبة خادعة، فإياكم أن تغتروا بها.
«إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء»
[رواه مسلم].
هل تعرفون الجنة؟ هل تتشوقون لها؟
يا
الله جلست أتفكر في الجنة وفي جمالها وحلاوتها فدمعت عيني شوقا لها، تذكرت
الكوثر، حوض النبي، يا لجماله، حافتاه من الذهب والفضة ويجري على الدر
والياقوت وهو مستوي من الجانبين، طينه من المسك، أشد بياضا من اللبن وطعمه
أحلى من العسل، أباريقه كنجوم السماء من الذهب والفضة، تطير حوله الطيور
وأحجامها كأعناق الجزور (الإبل)، وأما عن نسائها
«لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها»
[رواه البخاري]
و إن الحور العين لتغنين في الجنة، يقلن: نحن الحور الحسان، خبئنا لأزواج كرام،
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ
وَنَعِيمٍ{17} فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ
عَذَابَ الْجَحِيمِ{18} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ{19} مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم
بِحُورٍ عِينٍ{20} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ
عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ{21}
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ{22}
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ{23}
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ}
[الطور:17-24] وقال جل في علاه
{فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{12} ثُلَّةٌ
مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14} عَلَى سُرُرٍ
مَّوْضُونَةٍ{15} مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ{16} يَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ{17} بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ
مِّن مَّعِينٍ{18} لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ{19}
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ{20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا
يَشْتَهُونَ{21} وَحُورٌ عِينٌ{22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ
الْمَكْنُونِ{23} جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{24} لَا يَسْمَعُونَ
فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً{25} إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً{26}
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ{27} فِي سِدْرٍ
مَّخْضُودٍ{28} وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ{29} وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ{30} وَمَاء
مَّسْكُوبٍ{31} وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ{32} لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا
مَمْنُوعَةٍ{33} وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ{34} إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ
إِنشَاء{35} فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً{36} عُرُباً أَتْرَاباً}
[الواقعة 12-37] اللهم اجعلنا من ورثة جنات النعيم ، ممن يرد حوض نبيك،
اسقنا من يديه الشريفتين شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا .
آه يا من باع الجنة الباقية من أجل دنيا فانية،
لقد بارت تجارتك وخسرت الخسران المبين، أتبيع جنة الرحمن بثمن بخس
وأنت فيها من الزاهدين، أتعصي الله رب العالمين؟ وتنسى يوم الدين، أتأكل
الحرام وتشرب الحرام ورضيت بالطين، أتعبد الدرهم والدينار والخميصة
والقطيفة والنساء والبنين وتقول الله ربي غفور رحيم، وسأدخل جنات النعيم
وأنت مصر على المعصية والذنب العظيم، ألم تسمع قول الرب العليم:
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ{34} أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
كَالْمُجْرِمِينَ{35} مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}
[القلم:34-36] وقوله تعالى:
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ
أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}
[ص:28]
إن الله عدل، غفور رحيم لمن تاب واستقام، ومنتقم جبار لمن عصى واستهان.
«يؤتي
بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم
هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا والله ما رأيت نعيماً قط، ويؤتي بأبأس أهل
الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت
بؤساً قط؟ فيقول: لا والله ما رأيت بؤساً قط»
[رواه مسلم].
يا من تبحث عن السعادة، إن سعادة الدنيا في
جنات الإيمان وسعادة الآخرة في جنات الرضوان، ألم تسمع قول من بيده ملكوت
السموات والأرض:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}
[النحل:97]
هذا وعد الله الحياة السعيدة الطيبة بالدنيا ثم يجزى أجره بأحسن ما كان يعمل في الآخرة.
أما من نسى ربه وسلك غير طريق المؤمنين فعذاب في الدنيا وجحيم في الآخرة، قال المنتقم الجبار:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}
[طه:124]
وأخيرا أقول
«إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر
كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء»
[رواه مسلم].