أنتي يالعوراء ! طالق
كنتُ أمضي أكثر وقتي متسكعا ً في شوارع المدينة وبين منتزهاتها تارة ً وفي ميادينها العامة تارة ً أخرى فقد مَلّت نفسي الجلوس في المقاهي من كثرة ارتيادي لها والسهر مع روادها تارة ً والتحول إلى الشيشة تارة ً أخرى ، أعبُّ منها
بنفسي الطويل ثم أرسله دفعة ً واحدة ً ليسبح في سماء المقهى كالغيمة السوداء .. كنتُ أمضي فيها الساعات الطويلة أحاولُ الهربَ من كابوس الوحدة القاتلة في البيت .
كنتُ إذا دخلتُ البيتَ تراءت لي الجنـّانُ والعفاريتُ في ذكل زاويةٍ من زواياه .
فمن بعد أنْ فارقت الدنيا زوجتي أم علي وأنا أرى البيت زوالاتٍ ولا أطيقُ الجلوسَ فيه ، قضيتُ أكثر وقتي ما بين التجول في السوق والجلوس في المقهى التي كنتُ أقتل وقتي فيها .
اشتقتُ إلى البيت بعد أن طال هجري له , غادرتُ المقهى في طريقي إلى البيت , كنتُ أسير في تثاقل ٍ وإعياءٍ شديدين من كثرة ما اجتمع في رأسي من الهموم .. وبينما كنتُ أسيرُ في الزقاق الضيق فتحت أم عطية باب دارها ومن حيث لا
تدري رشقت أم عطية نفايات الماء التي نظفت فيها كمية السمك التي اشترتها من بائع السمك المتجول في آخر النهار تطايرت دفقاتٌ من الماء المتناثر على بنطالي حيث تصادف مروري من هناك .. انتبهتُ لها في آخر لحظةٍ قفزتُ
لأتحاشى القذر المتناثر هنا وهناك بعد أن كان بنطالي قد غرق في الماء القذر وقفتُ والغضبُ يملأ عينيَّ وصرختُ بحدّه ما هذا القذر .. ونظرتُ إليها بحَنق ٍ وغيظ
_أم عطية .. الله يخرب بيتك .. أعوراءٌ أنت أم عمياء؟
_فقالت بصوت ٍ منكسر ٍ لا كده ولا كده .. العتبُ على النظر يا ولدي هو أنا صغيرة يا حسين .
_لماذا لم تتأكدي من خلو الشارع من المارة قبل رشق الماء في الشارع ؟؟
_أنا آسفة يا بني .
_وماذا ينفع الأسف وقد لوثت البنطال بهذه الرائحة الكريهة .
_أنا أغسله لك يا بني .
_وهل من فائدة من غسله بعد أنْ علقت به رائحة الماء النتن .
_أنا مقدرة لظروفك يا بني وما كان ذلك عن قصد مني
_لا عليك ِ .. سوف أرسلهُ إلى الغسال فإنْ غسله وإلا فسوف أرميه في برميل القمامة والعوض على الله ..
_الله يرحمها أم علي .. كانت مالْـيَهْ عليك البيت ومريحاك في الكوي والطبخ وفي كل شؤون البيت .
_الله يرحمها بقى الأعمار بيد الله كلنا حنموت والدوام لله.
_وحتفضل كده يا حسين .. إلى متى
_ لغاية ما ألقى بنت الحلال هو أنا حتجوز أي واحدة يا أم عطية
_لا يا خوي الله يسلمك لشبابك دا أنت سيد الرجالة وأي بنت تتمناك بس قول عايز أتجوز .
_يعني عندك حاجة تصلح يا ست أم عطية
_كتير يا حسين بس أنت تأشر
_والله يا ست أم عطية الوحدة هدّت حيلي وأنا عايش في هم لراسي
_وتعيش في هم ليه .. لك عندي عروسه مثل النجفة .. حلاوة إيه .. وعقل إيه وطول زي النخلة ووجه زي البدر
_ومين دي يا ست أم عطية
_بنت أختي محبوبة
_يعني ما فهاش حاجة تتعيّب
_تتعيّب إيه .. دا كل يوم بجيها عشر خطاب وهي ترفضهم واحد واحد
_خلاص يا ستي أنا موافق بلكن ربنا يتوب علينا من هالهم
_ربنا يجعلها من نصيبك
_آمين .. آمين
خطبتُ وأمهرتُ واحتفلتُ بزواجي الثاني وفي نهاية الحفل وضعتُ يدي في يد عروسي وانطلقتُ إلى البيت ودخلتُ إلى غرفتي مع عروسي كشفتُ عن وجهها الغطاء وحدقتُ فيها بعينين بارزتين بكل تلهفٍ واشتياق فقطـَّبْتُ وجهي وصرختُ
ما هذا !!! عوراءُ العين اليسرى
على أم عطية أقبحُ اللعنات
قومي إلى بيت أبيك ايتها العوراء
طالق .. طالق .. طالق ..
الكاتب
مصطفى سعيد ظاهر
كنتُ أمضي أكثر وقتي متسكعا ً في شوارع المدينة وبين منتزهاتها تارة ً وفي ميادينها العامة تارة ً أخرى فقد مَلّت نفسي الجلوس في المقاهي من كثرة ارتيادي لها والسهر مع روادها تارة ً والتحول إلى الشيشة تارة ً أخرى ، أعبُّ منها
بنفسي الطويل ثم أرسله دفعة ً واحدة ً ليسبح في سماء المقهى كالغيمة السوداء .. كنتُ أمضي فيها الساعات الطويلة أحاولُ الهربَ من كابوس الوحدة القاتلة في البيت .
كنتُ إذا دخلتُ البيتَ تراءت لي الجنـّانُ والعفاريتُ في ذكل زاويةٍ من زواياه .
فمن بعد أنْ فارقت الدنيا زوجتي أم علي وأنا أرى البيت زوالاتٍ ولا أطيقُ الجلوسَ فيه ، قضيتُ أكثر وقتي ما بين التجول في السوق والجلوس في المقهى التي كنتُ أقتل وقتي فيها .
اشتقتُ إلى البيت بعد أن طال هجري له , غادرتُ المقهى في طريقي إلى البيت , كنتُ أسير في تثاقل ٍ وإعياءٍ شديدين من كثرة ما اجتمع في رأسي من الهموم .. وبينما كنتُ أسيرُ في الزقاق الضيق فتحت أم عطية باب دارها ومن حيث لا
تدري رشقت أم عطية نفايات الماء التي نظفت فيها كمية السمك التي اشترتها من بائع السمك المتجول في آخر النهار تطايرت دفقاتٌ من الماء المتناثر على بنطالي حيث تصادف مروري من هناك .. انتبهتُ لها في آخر لحظةٍ قفزتُ
لأتحاشى القذر المتناثر هنا وهناك بعد أن كان بنطالي قد غرق في الماء القذر وقفتُ والغضبُ يملأ عينيَّ وصرختُ بحدّه ما هذا القذر .. ونظرتُ إليها بحَنق ٍ وغيظ
_أم عطية .. الله يخرب بيتك .. أعوراءٌ أنت أم عمياء؟
_فقالت بصوت ٍ منكسر ٍ لا كده ولا كده .. العتبُ على النظر يا ولدي هو أنا صغيرة يا حسين .
_لماذا لم تتأكدي من خلو الشارع من المارة قبل رشق الماء في الشارع ؟؟
_أنا آسفة يا بني .
_وماذا ينفع الأسف وقد لوثت البنطال بهذه الرائحة الكريهة .
_أنا أغسله لك يا بني .
_وهل من فائدة من غسله بعد أنْ علقت به رائحة الماء النتن .
_أنا مقدرة لظروفك يا بني وما كان ذلك عن قصد مني
_لا عليك ِ .. سوف أرسلهُ إلى الغسال فإنْ غسله وإلا فسوف أرميه في برميل القمامة والعوض على الله ..
_الله يرحمها أم علي .. كانت مالْـيَهْ عليك البيت ومريحاك في الكوي والطبخ وفي كل شؤون البيت .
_الله يرحمها بقى الأعمار بيد الله كلنا حنموت والدوام لله.
_وحتفضل كده يا حسين .. إلى متى
_ لغاية ما ألقى بنت الحلال هو أنا حتجوز أي واحدة يا أم عطية
_لا يا خوي الله يسلمك لشبابك دا أنت سيد الرجالة وأي بنت تتمناك بس قول عايز أتجوز .
_يعني عندك حاجة تصلح يا ست أم عطية
_كتير يا حسين بس أنت تأشر
_والله يا ست أم عطية الوحدة هدّت حيلي وأنا عايش في هم لراسي
_وتعيش في هم ليه .. لك عندي عروسه مثل النجفة .. حلاوة إيه .. وعقل إيه وطول زي النخلة ووجه زي البدر
_ومين دي يا ست أم عطية
_بنت أختي محبوبة
_يعني ما فهاش حاجة تتعيّب
_تتعيّب إيه .. دا كل يوم بجيها عشر خطاب وهي ترفضهم واحد واحد
_خلاص يا ستي أنا موافق بلكن ربنا يتوب علينا من هالهم
_ربنا يجعلها من نصيبك
_آمين .. آمين
خطبتُ وأمهرتُ واحتفلتُ بزواجي الثاني وفي نهاية الحفل وضعتُ يدي في يد عروسي وانطلقتُ إلى البيت ودخلتُ إلى غرفتي مع عروسي كشفتُ عن وجهها الغطاء وحدقتُ فيها بعينين بارزتين بكل تلهفٍ واشتياق فقطـَّبْتُ وجهي وصرختُ
ما هذا !!! عوراءُ العين اليسرى
على أم عطية أقبحُ اللعنات
قومي إلى بيت أبيك ايتها العوراء
طالق .. طالق .. طالق ..
الكاتب
مصطفى سعيد ظاهر