السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه أجمعين
أما بعد:- فإن لكل أمة لغتها وثقافتها وحضارتها التي تتمسك وتعتز بها ،
وتربي عليها أبناءها ، ومما لاشك فيه إن لكل حضارة تأريخها الذي يبين
بدايتها ويوضح تجربتها في الحياة ، ويميزها عن غيرها من الأمم ، وثم ارتباط
كبير بين ثقافة الأمة وعقيدتها وبين تأريخها ، حيث أنه من الواضح أن لقيم
أي أمة وعقيدتها وثقافتها تأثيرا كبيرا على مكونات تاريخها (( بداية العام _
الأعياد – المواسم – أسماء الشهور ، كما سيتبين في ثنايا في هذا البحث
بإذن الله ، ولهذا كله كان هذا البحث المتواضع عن التاريخ الهجري (( تعريفة
وأصله وبدايته ومشروعيته وأهميته ، وما يرتبط به من بدع محدثات ))
أولاً : - تعريف التأريخ :-
قال ابن منظور :- أرخ التأريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله ،
أرخ الكتاب ليوم كذا: وقته. وقال الفيروز أبادي أرخ الكتاب وأرّخه وآرخه
وقته وفي المعجم الوسيط :- التأريخ : جملة الأحوال والأحداث التي يخرج بها
كائن ما ، ويصدق على الفرد والمجتمع ، كما يصدق على الظواهر الطبيعية
والإنسانية ، ويقال :- فلان تاريخ قومه إليه ينتهي شرفهم ورياستهم ،
والتأريخ :- تسجيل هذه الأحوال .
وقال المناوي في قيض القدير :_
وقيل – أي التأريخ - هو قلب التأخير ، وقيل معرب لاعربي . قلت وقيل هو مشتق
من الإرخ بكسر الهمزة أو الفتح وتعني: وليد البقرة الوحشية ،وقيل مشتق من
اللفظ الفارسي ( ماه روز ) وتعني حساب الشهور والأعوام وقيل مشتق من الكلمة
السامية التي تعني القمر والشهر وهي في اللغة العبرية ( يرخ ) وقيل وهي
عربية جنوبية ، أرسل يعلي بن أمية كتابا مؤرخا إلى عمر من اليمن فقال عمر
هذا حسن فأرخوا )
ثانياً : ـ فوائد التأريخ :-
للتأريخ فوائد كثيرة ، في استقلالية الأمة وخصوصيتها
وتميزها عن غيرها من الأمم ، إضافة إلى حفظ حقوق الناس وضبط أمورهم
ومعاملاتهم ولذلك قال المناوي :- ( فلا غنى عن التأريخ في جميع الأحوال
الدنيوية والأخروية ) وذكر قصة تبين بعض فوائد التأريخ فقال :- وقع في زمن
الخطيب البغدادي أن يهوديا اظهر كتابا فيه أن المصطفى صلى الله علية وسلم
أسقط الجزية عن أهل خيبر ، وفيه شهادة جمع منهم على ذلك ، فوقع التنازع فيه
فعرض على الخطيب فتأمله ، ثم قال :- هذا زور ، لأن فيه شهادة معاوية وإنما
اسلم عام الفتح ، وفتح خيبر سنة سبع ، وشهادة سعدبن معاذ وكان مات عقب
قريظة ، ففرح الناس بذلك
ثالثاً :- بداية التأريخ :-
قال ابن الجوزي :-
لما كثر بنو ادم أرخو بهبوطه فكان التأريخ إلى الطوفان ، ثم إلى نار الخليل
، ثم إلى زمن يوسف ، ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم إلى زمن
داود ، ثم سليمان ، ثم عيسى ، وقيل : أرخت اليهود بخراب بيت المقدس ،
والنصارى برفع المسيح )
وقال الزهري والشعبي :- كان بنو إبراهيم يؤرخون من نار إبراهيم إلى بنيان
البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ثم أرخ بنو إسماعيل حتى
تفرقوا ، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم ، حتى مات كعب بن لؤي ،
فأرخوا من موته إلى الفيل ، حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة سنة سبع عشرة
أو ثمان عشرة ، وقد كان كل طائفة من العرب تؤرخ بالحادثات المشهورة فيها
ولم يكن لهم تاريخ يجمعهم .
رابعاً:- التأريخ في الإسلام
روى الحاكم في الإكليل وابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي سلمه عن الزهري :أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ التأريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع
الأول ) لكن هذا الحديث لا يثبت ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح :_ وهذا
معضل ، والمشهور خلافه وأن ذلك في خلافة عمر ) وقال ابن عساكر :- والمحفوظ
أن الآمر بالتأريخ عمر ) وقال ابن الأثير :-والصحيح المشهور أن عمر بن
الخطاب أمر بوضع التأريخ )
قال الحافظ ابن حجر :- وقيل أول من أرخ التأريخ يعلي بن أميه حيث كان
باليمن ) أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار
ويعلي ، وروى ابن خثيمة من طريق ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال :
رأيت باليمن شيئا يسمونه التأريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر
هذا حسن فأرخوا ) وقال ابن كثير في البداية والنهاية :- قال الواقدي وفي
ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة ست عشرة كتب عمر بن الخطاب التأريخ ، وهو
أول من كتبه )
خامساً :- سبب التأريخ عند المسلمين
ذكر في ذلك أكثر من سبب ، ولا تعارض بينها ولا مانع من وقوعها جميعا ،
فتكون كلها أسبابا لبداية التأريخ عند المسلمين ، وقد تقدم ما ذكره الحافظ
ابن حجر عن ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال :- رأيت باليمن شيئا
يسمونه التأريخ يكتبونه عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر هذا حسن فأرخوا )
وقال ابن الأثير :_ وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا
منك كتب ليس لها تأريخ ، فجمع عمر الناس للمشورة ، فقال بعضهم : أرخ بمبعث
النبي ، وقال بعضهم :- بمهاجرة رسول الله ، فقال عمر :- بل نؤرخ بمهاجرة
رسول الله ، فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ) قاله الشعبي,وقال ابن كثير
في البداية والنهاية :-
وقد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إليه صك مكتوب لرجل على آخر دين
يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ؟ أم التي قبلها ؟
أم التي بعدها ؟ ثم جمع الناس فقال :- ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول
ديونهم ، فيقال أنهم أرد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم, كلما هلك
ملك أرخومن تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك ، ومنهم من قال :- أرخوا
بتاريخ الروم من زمان ابن اسكندر, فكرهوا ذلك ،
وقال قائلون :- أرخوا من مولد رسول الله ، وقال آخرون :- من مبعثه علية
السلام ، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون :- أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى
المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث ، فاستحسن ذلك عمر
والصحابة . فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه أجمعين
أما بعد:- فإن لكل أمة لغتها وثقافتها وحضارتها التي تتمسك وتعتز بها ،
وتربي عليها أبناءها ، ومما لاشك فيه إن لكل حضارة تأريخها الذي يبين
بدايتها ويوضح تجربتها في الحياة ، ويميزها عن غيرها من الأمم ، وثم ارتباط
كبير بين ثقافة الأمة وعقيدتها وبين تأريخها ، حيث أنه من الواضح أن لقيم
أي أمة وعقيدتها وثقافتها تأثيرا كبيرا على مكونات تاريخها (( بداية العام _
الأعياد – المواسم – أسماء الشهور ، كما سيتبين في ثنايا في هذا البحث
بإذن الله ، ولهذا كله كان هذا البحث المتواضع عن التاريخ الهجري (( تعريفة
وأصله وبدايته ومشروعيته وأهميته ، وما يرتبط به من بدع محدثات ))
أولاً : - تعريف التأريخ :-
قال ابن منظور :- أرخ التأريخ تعريف الوقت والتوريخ مثله ،
أرخ الكتاب ليوم كذا: وقته. وقال الفيروز أبادي أرخ الكتاب وأرّخه وآرخه
وقته وفي المعجم الوسيط :- التأريخ : جملة الأحوال والأحداث التي يخرج بها
كائن ما ، ويصدق على الفرد والمجتمع ، كما يصدق على الظواهر الطبيعية
والإنسانية ، ويقال :- فلان تاريخ قومه إليه ينتهي شرفهم ورياستهم ،
والتأريخ :- تسجيل هذه الأحوال .
وقال المناوي في قيض القدير :_
وقيل – أي التأريخ - هو قلب التأخير ، وقيل معرب لاعربي . قلت وقيل هو مشتق
من الإرخ بكسر الهمزة أو الفتح وتعني: وليد البقرة الوحشية ،وقيل مشتق من
اللفظ الفارسي ( ماه روز ) وتعني حساب الشهور والأعوام وقيل مشتق من الكلمة
السامية التي تعني القمر والشهر وهي في اللغة العبرية ( يرخ ) وقيل وهي
عربية جنوبية ، أرسل يعلي بن أمية كتابا مؤرخا إلى عمر من اليمن فقال عمر
هذا حسن فأرخوا )
ثانياً : ـ فوائد التأريخ :-
للتأريخ فوائد كثيرة ، في استقلالية الأمة وخصوصيتها
وتميزها عن غيرها من الأمم ، إضافة إلى حفظ حقوق الناس وضبط أمورهم
ومعاملاتهم ولذلك قال المناوي :- ( فلا غنى عن التأريخ في جميع الأحوال
الدنيوية والأخروية ) وذكر قصة تبين بعض فوائد التأريخ فقال :- وقع في زمن
الخطيب البغدادي أن يهوديا اظهر كتابا فيه أن المصطفى صلى الله علية وسلم
أسقط الجزية عن أهل خيبر ، وفيه شهادة جمع منهم على ذلك ، فوقع التنازع فيه
فعرض على الخطيب فتأمله ، ثم قال :- هذا زور ، لأن فيه شهادة معاوية وإنما
اسلم عام الفتح ، وفتح خيبر سنة سبع ، وشهادة سعدبن معاذ وكان مات عقب
قريظة ، ففرح الناس بذلك
ثالثاً :- بداية التأريخ :-
قال ابن الجوزي :-
لما كثر بنو ادم أرخو بهبوطه فكان التأريخ إلى الطوفان ، ثم إلى نار الخليل
، ثم إلى زمن يوسف ، ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم إلى زمن
داود ، ثم سليمان ، ثم عيسى ، وقيل : أرخت اليهود بخراب بيت المقدس ،
والنصارى برفع المسيح )
وقال الزهري والشعبي :- كان بنو إبراهيم يؤرخون من نار إبراهيم إلى بنيان
البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ثم أرخ بنو إسماعيل حتى
تفرقوا ، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم ، حتى مات كعب بن لؤي ،
فأرخوا من موته إلى الفيل ، حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة سنة سبع عشرة
أو ثمان عشرة ، وقد كان كل طائفة من العرب تؤرخ بالحادثات المشهورة فيها
ولم يكن لهم تاريخ يجمعهم .
رابعاً:- التأريخ في الإسلام
روى الحاكم في الإكليل وابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي سلمه عن الزهري :أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ التأريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع
الأول ) لكن هذا الحديث لا يثبت ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح :_ وهذا
معضل ، والمشهور خلافه وأن ذلك في خلافة عمر ) وقال ابن عساكر :- والمحفوظ
أن الآمر بالتأريخ عمر ) وقال ابن الأثير :-والصحيح المشهور أن عمر بن
الخطاب أمر بوضع التأريخ )
قال الحافظ ابن حجر :- وقيل أول من أرخ التأريخ يعلي بن أميه حيث كان
باليمن ) أخرجه أحمد بن حنبل بإسناد صحيح لكن فيه انقطاع بين عمرو بن دينار
ويعلي ، وروى ابن خثيمة من طريق ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال :
رأيت باليمن شيئا يسمونه التأريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر
هذا حسن فأرخوا ) وقال ابن كثير في البداية والنهاية :- قال الواقدي وفي
ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة ست عشرة كتب عمر بن الخطاب التأريخ ، وهو
أول من كتبه )
خامساً :- سبب التأريخ عند المسلمين
ذكر في ذلك أكثر من سبب ، ولا تعارض بينها ولا مانع من وقوعها جميعا ،
فتكون كلها أسبابا لبداية التأريخ عند المسلمين ، وقد تقدم ما ذكره الحافظ
ابن حجر عن ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال :- رأيت باليمن شيئا
يسمونه التأريخ يكتبونه عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر هذا حسن فأرخوا )
وقال ابن الأثير :_ وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا
منك كتب ليس لها تأريخ ، فجمع عمر الناس للمشورة ، فقال بعضهم : أرخ بمبعث
النبي ، وقال بعضهم :- بمهاجرة رسول الله ، فقال عمر :- بل نؤرخ بمهاجرة
رسول الله ، فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ) قاله الشعبي,وقال ابن كثير
في البداية والنهاية :-
وقد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إليه صك مكتوب لرجل على آخر دين
يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ؟ أم التي قبلها ؟
أم التي بعدها ؟ ثم جمع الناس فقال :- ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول
ديونهم ، فيقال أنهم أرد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم, كلما هلك
ملك أرخومن تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك ، ومنهم من قال :- أرخوا
بتاريخ الروم من زمان ابن اسكندر, فكرهوا ذلك ،
وقال قائلون :- أرخوا من مولد رسول الله ، وقال آخرون :- من مبعثه علية
السلام ، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون :- أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى
المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث ، فاستحسن ذلك عمر
والصحابة . فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم