لماذا خلقت فينا الشهوات؟ وهل إذا فعلناها نأثم؟
لماذا خلقت فينا الشهوات؟ وهل إذا فعلناها نأثم؟
وما ذنب الإنسان إذا أجرم إن كان الله قد وضع فينا الشهوات والغرائز؟
وعندما سألوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نفس هذا السؤال، فقالوا له: إذا كان الله قد وضع فينا الشهوات والغرائز فكيف نمتنع عن الشهوات؟!. والمفاتن حولنا ومحيطة بنا من كل جانب فكيف لا نقع بها ونواقعها. وبتعبير آخر:
ربِّ خلقت الجمال وأنت تحب الجمال فكيف عبادك لا يعشقون؟.
فكيف نرى الجمال ولا نقع؟.
كيف نمتنع عن الشهوات وهي محببة لدينا وكيف لا نواقعها.
الجواب:
من تمام فضل الله علينا وكمال نعمه تعالى أن وضع فينا الشهوات، إذ لولا الشهوات لكنا أشبه بالجمادات لا نرى لذة للحياة ولا نذق طعماً لها ولا نتمتع بصنوف الملذات وعلى سبيل المثال لا الحصر إذا دُعيتَ إلى مائدة فيها ما لذ وطاب من صنوف الطعام من اللحوم التي حُضِّرت على أكمل وجه والخضراوات العديدة المرتبة بأبهى شكل ذات الروائح الأخاذة والفواكه والثمار المختلفة الشهية، يا ترى ما يستفيد المدعو إن لم يكن لديه ميل ورغبة قي تناول أيٍّ من هذه الأنواع وما قيمة هذه الألوان من المأكولات إن لم يكن هنا شهوة في النفس نحوها.
إذن: وضعت الشهوة في النفس البشرية لتكسب الأشياء قيمةً وقدراً في النفس تجاهها والشهوة هي الدافع والحافز ليسير الإنسان في الحياة ولينعم بما وهبه الله إذ لولاها كيف سيأكل الإنسان ويشرب ويمارس وظائفه الحياتية المختلفة، وكيف سينطلق إلى الأعمال الخيرة وفعل المعروف والصالحات من الأعمال التي ينال عليها الجنات إذ الجنة بالعمل. {..ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة النحل (32). إذن: فلا بدَّ من الشهوات في النفس البشرية وهذه الشهوات من تمام الفضل الإلهي إذ بدونها لا ينطلق المرء للعمل ولا يندفع إلى فعل شيء فهي الدافع المحرك وبها يكون الذوق والتمتع والنعيم وإلى جانب ذلك هي التي تضفي على العمل قيمته.
وبدونها لا يكون للعمل في نظر صاحبه شأن وقدر وكلما كان الشيء محبباً ومرغوباً للنفس كلما كانت التضحية به أكبر قيمة وأعظم تأثيراً في النفس المضحِّية فلو أن الإنسان كان لا يرغب بالمال فلا يجد للصدقة قيمةً بنفسه ولا معنى في نظره ولا يجد في إنفاقه رقياً نفسياً وكذلك الأمر في غض البصر والتعفف عن المحرَّمات.
وهكذا نجد أن الشهوات تعطي الأعمال الطيبة قيماً متناسبة مع قيمتها في النفس وكلما كانت الشهوة أكبر كلما كان العمل الناشئ عنها في نظر صاحبه أعظم وكان رُقي النفس وتساميها بهذه النسبة كبيراً.
وبمقاومة النفس هذه الشهوات المحبَّبة تكتسب بالتضحية بها هالة عظيمة وتولِّد اندفاعاً كبيراً فتتَّجه لمن في سبيله ضحَّت وبقناعة منها تباعدت رضاءً لله فتتجه نحوه تعالى.
نضرب مثالاً للتقريب: كلما كثرت المقاومات في الآلات الكهربائية كانت الطاقة الناتجة عنها أعظم وأكبر وجميع الآلات الحركية أو الحرارية أو الإضاءة مبنية على مبدأ المقاومات. فهذه الشهوات المحرَّمة تورث بمقاومتها النفس هالة عظمى وقيمة تصاعدية بالابتعاد عنها رضاءً لله وتعطيها ضغطاً عظيماً خفياً وثقة كبرى بقيمة التضحية الإرادية فتتجه النفس لله بوجهها الأبيض وتصل إليه تعالى وتحظى بجنابه ويمنحها الله أعلى وأسمى من هذه العوالم المادية ويكرمها بالحلال بدل الحرام وتسير بالاستنارة وتنال شهواتها برضاء الله وبما سنَّه لها من وجوه عاليه سامية لا وضيعة منحطة، فالله لم يخلقنا إلا ليكرمنا ولا يحرمنا ولكن بوجوهها الإنسانية وبما رسمه الله لنا بقوانينه الخيِّرة.
وإن أخذنا هذه الشهوات بغير قانون الإله وبشكل اعتباطي نخفض بذلك من منزلتنا الإنسانية وننحط إلى صنوف البهائم الرتَّع.
وإن أخذناها برضاء الله وبما دلَّنا عليه فينال الإنسان غاية المنى وفوق ما يرغب ويحب من لدنه تعالى.
هذا البحث من ثنايا علوم فضيلة العلامة الكبير محمد أمين شيخو