بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه اجميعن
قال الله تعالى في الحديث القدسي ( انا عند ظن عبدي بي و انا معه اذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و ان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم و ان تقرب الي بشبر تقربت اليه ذراعا و ان تقرب الي ذراعا تقربت اليه باعا [و الباع هو الذراعان مع اتساع الصدر ] و ان اتاني يمشي اتيته هرولة )
حقيقة احسان الظن بالله تعالى ( من الشيخ الجليل محمد حسان من برنامجه مشكاة الأنوار )
ظن يظن ظنا و له معنيان في لغة العرب :
الاول بمعنى اليقين و الثاني بمعنى الشك
ظن اليقين منه قوله تعالى " كلا اذا بلغت التراقي و قيل من راق و ظن انه الفراق " اي تيقن
و ايضا منه قوله تعالى "وقال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله " و هنا ايضا معناه اليقين
وما ظن الشك فمنه قوله تعالى "ان الظن لا يغني من الحق شيئا " و هنا معناه باتفاق جماهير المفسرين معناه الشك
ومنه قوله تعالى " وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا .."
و الظن اصطلاحا
و لقد قسّم العلماء الظن بتقسيمان الأول :
تجويز امرين في النفس لأحدهما ترجيح على الأخر
فحسن الظن معناه ترجيح جانب الخير على جانب الشر او ترجيح جانب الرجاء على جانب الخوف
من العلماء من يقسم الظن الى نوعين
ظن مشروع و ظن محرم
اما المشروع :فهو حسن الظن بالله تعالى ثم حسن الظن بالمسلمين و المؤمنين ممن ظاهرهم العدالة و الصلاح
قال تعالى "و على الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم انفسهم و ظنوا ان لا ملجأ من الله الى اليه "
فعليك ايها المؤمن ان تحسن الظن بربك العلي العظيم و قال صلى الله عليه و سلم :( لا يموتن احدكم الا و هو يحسن الظن بالله ) وقال صلى الله عليه و سلم في رواية احمد :( انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) و في زيادة في رواية احمد ايضا ( ان ظن بي خيرا فله و ان ظن بي شرا فله )
و حسن الظن بالله تعالى هو ان تكون على ظن بانك اذا دعوته اجابك و ان توكلت عليه كفاك و ان سألته اعطاك
الظن المحرم : هو ان تسيء الظن بالله تعالى و عباده الصالحين و المؤمنين
فمن ظن انه اذا دعا الله تعالى لن يعطيه و من ظن ان الله خلق العباد سدى و من ظن انه اذا توكل على الله لن يكفيه .... فلقد اساء الله ظن بالله تعالى و ظن ظن السوء فهذا ظن محرم
يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد : من ظن ان الله جل و علا لا ينصر دينه و كتابه و رسوله و اولياءه الصالحين فقد ظن بالله ظن السوء
و من الظن المحرم ان تظن السوء بعباد الله تعالى ، قال تعالى " ياايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن " وقال تعالى :" يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم "
و قال صلى الله عليه وسلم( إياكم و الظن فإن الظن هو اكذب الحديث )
قال صلى الله عليه و سلم في مسند احمد :(يا معشر من امن بلسانه ولما يدخل الايمان قلبه لا تغتابو المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فمن تتبع عورة اخيه تتبع الله عورته و من يتبع الله عورته يفضحه من جوف رحله و في رواية في جوف بيته ) لذلك عليك ايها المؤمن ان تظن الخير بعباد الله الذين تظهر عليهم انهم من عباد الله الصالحين الذين عليهم سمت اهل الخير و عليك ان تترك ظن السوء فإنه يمزق اواصر المحبة و الاخوة و اما الذين يجاهرون بالمعاصي و الفواحش فؤلئك لابأس بظن السوء بهم
و قال العلماء في تقسيم اخر للظن وهو ان الظن ينقسم الى نوعين محمودين ونوع مذموم
اما النوعان المحمودان
فالظن الأول : هو ظن رجل يعمل بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله فهذا حسن الظن بالله و اعلى مراتب حسن الظن بالله تعالى ، الترمذي بسند حسن يا ابن ادم انك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ماكان منك ولا ابالي يا بن ادم ان بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا ابالي يا ابن ادم لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة
هذا هو فضل ربنا سبحانه و تعالى فإن الرب رب و العبد عبد مفتقر لله تعالى جل جلاله
الظن الثاني : هو ظن شخص يعمل بطاعة الله يصلي الفرائض و ربما يقرأ القرآن و يصلي التروايح و لكنه يقع ببعض الذنوب و هو يحاول ان يفعل الطاعات ما استطاع و يجتنب الذنوب ما استطاع و لكنه ربما يقع بالمعصية فيندم و يتوب و يبكي و يدعو الله تعالى يغفر له و يرحمه و لكنه ربما يقع بالذنب ذاته او غيره مرة اخرى فيعود و يتوب و ربما يعود للذنب و يتوب و هكذا ...، فهذا من باب حسن الظن بالله و يرجى من الله تعالى ان يختم له بخير فإنه مادام العبد لا يمل فإن الله لا يمل و لكن عليك ان لا تكون مصرا على المعصية بل الجأ للكريم ، قال صلى الله عليه و سلم في صحيح مسلم ( و الذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و جاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم )
و الظن الثالث : هو الظن المذموم فهو شخص لا يقف عند الحدود و لا يفعل الطاعات و يقع بالمحظورات و ربما يقول ان الله يعلم بقلبي الخير وانا قلبي ابيض و هو لا يصوم ولا يصلي و يردد انه يحسن الظن بالله تعالى... الخ ، فهذا رجل مغرور جاهل ظن بربه ظن السوء .