ذكر ابن إسحاق وغيره: أن أبا جهل جاءه
بصخرة والنبي ساجد وقريش ينظرون ليطرحها عليه فلزقت بيده ويبست يداه إلى
عنقه وأقبل يرجع القهقرى إلى خلفه ثم سأله أن يدعو له ففعل فانطلقت يداه
وكان قد تواعد مع قريش بذلك وحلف لئن رآه ليدمغنَّه فسألوه عن شأنه؟ فقال:
ذكر أنه عرض لي دونه فحلٌ ما رأيت مثله قطُّ هَمَّ بى أن يأكلني فقال
النَّبِيُّ (ذَاكَ جِبْرِيلُ لَوْ دَنَا لأَخَذَهُ) وفي ذلك قال الإمام
البوصيري:
هَمَّ قَوْمٌ بِقَتْله فَأَبَي السَّيْـــ ــفُ وَفَاءً وَفَاءَتْ الصَّفْوَاءُ
وَأَبُو جَهْلٍ إِذَاَ رَأْى عُنُقَ الفَحْـ ــلِ إِلَيْهِ كَأنَّهُ العَنْقَــاءُ
وذكر
السمرقندي أن رجلاً من بني المغيرة أتي النبيَّ ليقتله فطمس الله على بصره
فلم يَرَ النبيَّ وسمع قوله فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتي نادوه وذكر أنه
في هاتين القصتين نزلت {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً}
ومن ذلك ما ذكره ابن إسحاق في قصته إذ خرج إلى بني قريظة في أصحابه فجلس
إلى جدار بعض آطامهم فانبعث عمرو بن جحاش أحدهم ليطرح عليه رحى فقام
النَّبيُّ فانصرف إلى المدينة وأعلمهم بقصتهم وقد قيل: أنَّ قوله تعالي
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ هَمَّ قَوْمٌ} في هذه القصة نزلت وحكي السمرقندي أنه خرج إلى بني
النضير يستعين في عقل الكلابيين الذين قتلهما عمرو بن أمية فقال له حُيي بن
أخطب: أجلس يا أبا القاسم حتي نطعمك ونعطيك ما سألتنا فجلس النبيُّ مع أبي
بكر وعمر رضي الله عنهما وتآمر حيي معهم على قتله فأعلم جبريل النبيَّ
بذلك فقام كأنه يريد حاجته حتي دخل المدينة وذكر أهل التفسير معني الحديث
عن أبي هريرة : أن أبا جهل وعد قريشاً لئن رأي مُحَمَّداً يُصَلِّي ليطأن
رقبته فلما صلَّى النَّبيُّ أعلموه فأقبل فلما قَرُبَ منه ولَّي هارباً
ناكصاً على عقبيه منتقبا بيديه فسئل فقال: لما دنوتُ منه أشرفت على خندق
مملوء ناراً كِدْتُ أَهْوِي عليه وأبصرتُ هولاً عظيماً وخفق أجنحةٍ قد
ملأتْ الأرض فقال صلى الله عليه وسلم (تلك الملائكة لو دنا لاختطفته عضواً
عضواً) ثم أُنْزِلَ على النَّبيِّ {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى}
ويروي
أن شيبة بن عثمان الحجبي (كما ورد في الشفا بتعريف بحقوق المصطفى للقاضي
عياض أدركه يوم حنين وكان حمزة قد قتل أباه وعمه فقال: اليوم أدرك ثأري من
محمد فلما اختلط الناس أتاه من خلفه ورفع سيفه ليصبه عليه قال (لما
دَنَوْتُ مِنْهُ ارْتَفَعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ أَسْرَعُ مِنْ البَرْقِ
فَوَلَّيْتُ هَارِباً وأحسَّ بى النَّبِيُّ فدعاني فوضع يده على صدري - وهو
أبعض الخلق إلىَّ - فما رفعها إلاَّ وهو أحبُّ الخَلْقَ إلىَّ وقال لي:
أدن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي وأقيه بنفسي ولو لقيت أبي تلك الساعة
لأوقعت به دونه)وعن فضالة بن عميـر كما أورد القاضي عياض في الشفا بتعريف
بحقوق المصطفى وكما ذكر بن عبد البر في كتاب الدرر في السير قال (أردت قتل
النبيِّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو يطوف بالبيت فلما دنوت منه قال:
أفضالة؟ قلت: نعم قال: ما كُنْتَ تحدِّث به نفسك؟ قلت: لا شيء فضحك صلى
الله عليه وسلم واستغفر لي ووضع يده على صدري فسكن قلبي فوالله ما رفعها
حتي ما خَلَقَ الله شيئاً أحبَّ إلىَّ منه قال فضالة: فرجعت إلى أهلي
فمررتُ بامرأة كنتُ أتحدَّثُ إليها فقالت: هَلُمَّ إلى الحديث فقلت: لا )
وانبعث فضالة يقول
قَالَتْ هَلُمَّ إِلَى الحَدِيثِ فَقُلْتُ لا يَأْبَي عَلَـىَّ اللهُ والإســلامُ
لَوْ مَا رَأَيْتِ مُحَمَّداً وقَبِيــلَهُ بِالفَتْحِ يَوْمَ تُكَسَّـرُ الأَصْنَـامُ
لَرَأَيْتِ دِينَ اللهِ أَضْحَـى بَيِّـناً والشِّرْكُ يَغْشَي وَجْهَهُ الإِظْلام
ومن
مشهور ذلك خبر عامر بن الطفيل وأربد بن قيس حين وفدا على النَّبِيِّ وكان
عامر قال له: أنا أشغل عنك وَجْهَ محمد فاضربه أنت فلم يره فعل شيئاً فلما
كلَّمه في ذلك قال له: والله ما هممتُ أن أضربه إلاَّ وجدتك بيني وبينه
أفأضربك ؟ ومن عصمته تعالى له أن كثيراً من اليهود والكهنة أنذروا به
وعيَّنوه لقريش وأخبروهم بسطوته بهم وحضُّوهم على قتله فعصمه الله حتي بلغ
فيه أمره ومن ذلك نصره بالرُّعبِ أمامه مسيرة شهر كما قال في الحديث الصحيح