السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال :
كنت أتساءل : ماذا يعنى كون المرء ملعونا من قبل الله ؟! ؛ فهل هناك لذلك
مجال مرئي له مذاق وملمس ؟! ، وعندما يكون الشخص ملعونا ، فهل هذا يعنى أن
الله يضع الشخص في عالم مجنون وغير معقول ، ويؤذيه ويتحدث إليه ، أم إنها
مجرد لعنة بسيطة ، ومجرد قول لا غير ؟! .
وأيضا : أود أن أعرف : إذا كان الشخص ملعونا من الله ، هل هذا يعنى أنه لا يمكنه دخول الجنة ، أو : لن يغفر له الله لأنه ملعون ؟
أنا لدي صديق كان يعيش حياة طيبة إسلامية ، وبدأ يصوم في سن العاشرة ،
وتوقف عن ذلك في الخامسة عشرة من عمره ، لأنه بدأ يرافق غير مسلم ، وأخذ
يدخن الحشيش ، وبعدها كان يشرب الخمر ، وعندما كان في بلدة أخرى قام بتدخين
الحشيش ثانية ، ثم دخل في نفس المدينة في علاقة مع غير مسلمة ، ومارس
الجنس وارتكب الزنا ، واستمرت العلاقة حوالي 6 أشهر قبل أن يقطعها ، لأن
أخته ووالدته أخبرتاه أنها علاقة حرام وشريرة ، فقال إنه لا يمكنه
الاستمرار في العلاقة وتركها وترك أيضا حياة العصابات ، وكنت أتساءل هل
يمكن أن يغفر الله له ؟ وما هي عقوبة ذلك إن لم تكن هناك عقوبة أبدية ؟
وأيضا : فإن ذات الشخص بدأ يسمع أصواتا ، وقالت له : هذه الأصوات إنها
أرواح ، وبدأ يتحدث مع الله ، وقال له الله : إنه سيغفر له ، لكن يقول له
صوت الله أحيانا : إنه لن يغفر له ، ويرى أشياء لا يراها الآخرون ، فهل هو
ملعون ؟
وإذا كان كذلك في الدنيا ، فهل يمكن أن يغفر له؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
" اللَّعْنُ : الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ : الطَّرْد
والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء ... وكلُّ
مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَبعده عَنْ رَحْمَتِهِ وَاسْتَحَقَّ العذابَ
فَصَارَ هَالِكًا "
انتهى من "لسان العرب" (13/ 387-388) .
والملعون إما أن يكون كافرا فهذا مطرود من رحمة الله مبعد عنها إلى عذاب الله .
وإما أن يكون مسلما ولكنه فعل فعلا يستحق عليه اللعن ، كشرب الخمر وأكل
الربا وسب الوالدين ونحو ذلك من الذنوب العظام ، فهذا لا يكون إلا في كبائر
الذنوب ، ولا يعني ذلك خلوده في النار ؛ لأن من مات من أهل التوحيد على
التوحيد والإسلام وإن دخل النار بذنوب فعلها فإنه لا يخلد فيها ، وهذا مذهب
أهل السنة والجماعة .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
" اللعن : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، ولا لعن على فعلٍ إلا من كبائر
الذنوب ، ولهذا قال العلماء : كل ذنبٍ كانت عقوبته اللعنة فهو من كبائر
الذنوب " .
انتهى من "دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص 57) .
فمن فعل فعلا استوجب كفره ومات على ذلك ولم يتب منه ، فهذا ملعون بمعنى أنه استوجب عذاب الله الخالد ، الذي لا يخرج منه أبدا .
وأما
من كان من المسلمين ، ففعل فعلا عظيما استوجب غضب الله عليه ، أو لعنته ،
فهذا لم يخرج من الإسلام بمجرد ما وقع منه من الكبيرة ، أو بمجرد حكم الله
له باللعنة ؛ بل هو في مشيئة الله تعالى : إن شاء عذبه على ما استوجبه
بعمله ، وإن شاء عفا عنه سبحانه بمنه وكرمه ؛ لكنه إذا عذبه عذبه ما شاء أن
يعذبه ثم يخرجه من العذاب ، فهذا ليس له العذاب الخالد .
ولا
شك أن شرب الخمر والحشيش وفعل فاحشة الزنا من كبائر الذنوب التي تستوجب
سخط الله وعذابه ، ولكن من تلبس بشيء من ذلك ثم تاب تاب الله عليه ، شريطة
أن يكون صادقا في ندمه وتوبته ، مقلعا عما كان يقترفه من الذنوب والآثام ،
دائم الاستغفار مقبلا على الله .
قال الله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا
يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم/ 59، 60 .
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ
تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا )
الفرقان/ 68 – 71 .
ثانيا :
لعنة الله تعالى لمن استحق ذلك من عباده ، هي طرده لهذا العبد عن طريق
الهدى والرشاد ، وصرفه إلى طريق الغي والفساد ، أو هي كلامه سبحانه بما
يستحقه هذا العبد من اللعنة ، وذكره لهذا العبد بلعنته سبحانه وتعالى .
ولا علاقة لهذه اللعنة بعلامة رمزية تظهر على العبد ، أو تظهر له ، كأن
ينزل عليه شيء من السماء بمقتضى هذه اللعنة ، أو يظهر شيء في شكله وصورته ،
أو يرى شيئا يدله على هذه اللعنة ، أو نحو ذلك من الأوهام ، ولا علاقة لها
أيضا بأن يصيبه شيء من الجنون أو الجذام ، أو غير ذلك من الأسقام ؛
فاللعنة حكم شرعي ، يتعلق بدين الرجل في الدنيا ، ومصيره عند ربه في الدار
الآخرة ، وربما بدا لك من الشخص أنه من أنعم الناس عيشا ، وأبهاهم صورة
ومنظرا ، وهو ملعون عند الله ، مطرود من رحمته . وربما بدا لك من شخص أنه
من أقل الناس قدرا ، وأضيقهم عيشا ، وأقلهم حظا ، أو أوحشهم صورة ، ثم هو
عند الله من الناجين الفائزين المرحومين .
ثالثا :
الذي يراه صاحبك من أشياء لا يراها غيره ، والذي يسمعه من أصوات تزعم أنها
أرواح ، وهذا الذي يأتيه ويقول له أنه الله وأنه سيغفر له ، أو لن يغفر له :
كل هذا وأشباهه من تلبيس الشيطان عليه واحتياله وتسلطه ليبعده أكثر عن
الله ، وكل ذلك من الباطل الذي لا حقيقة له ، والذي لا أثر له في الحقيقة
على من وفقه الله للتوبة والإنابة والرجوع إلى ربه .
وأما
صوت الله فلا يسمعه أحد من البشر في الدنيا إلا الأنبياء ، ولا نبي بعد
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهكذا لا يرى أحد ربه حتى يموت ، ونراه في
الدار الآخرة ، نسأل الله أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم .
وكل
ما يجب على صاحبك الآن : أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا : فيقلع عن
هذه الذنوب والمعاصي التي أوقعه فيها عدوه اللعين ، وأن يندم على ما فات
منه ، وأن يسارع إلى إصلاح اللحظة التي يحياها بطاعة الله تعالى ، والإكثار
من الخيرات ، والإقبال على الله بحسن الظن فيه ، والرجاء له ، والرغبة
فيما عنده سبحانه ؛ قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
) الزمر/ 53 .
وروى ابن ماجة (4250)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ : ( وَسَلَّمَ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ )
. حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْله ( التَّائِب مِنْ الذَّنْب ) إِطْلَاق الذَّنْب يَشْمَل الذُّنُوب
كُلّهَا ، فَيَدُلّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ التَّوْبَة مَقْبُولَة مِنْ
أَيّ ذَنْب كَانَ ، وَظَاهِر الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَة
إِذَا صَحَّتْ بِشَرَائِطِهَا فَهِيَ مَقْبُولَة " انتهى من " حاشية السندي
على سنن ابن ماجه " ( 2/ 562 ) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" الذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ
اللَّهُ وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ ، فَمَنْ قُضِيَ لَهُ
بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : " إنَّ الْعَبْدَ
لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ وَإِنَّ الْعَبْدَ
لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ
يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا
وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا " .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ) .
وَالْمُؤْمِنُ إذَا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ
عَنْهُ بِعَشَرَةِ أَسْبَابٍ : أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ
فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، أَوْ
يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ ، أَوْ يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُوهَا
فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ، أَوْ يَدْعُو لَهُ
إخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا ،
أَوْ يَهْدُونَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ
بِهِ ، أَوْ يَشْفَعُ فِيهِ نَبِيُّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِمَصَائِبَ
تُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي الْبَرْزَخِ بِالصَّعْقَةِ
فَيُكَفِّرُ بِهَا عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ
مِنْ أَهْوَالِهَا بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَرْحَمُهُ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ .
فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 45-46) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ،
وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبدل سيئاته
حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : ( قل يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
إنه هو الغفور الرحيم ) فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق
التائبين خاصة " انتهى من "الجواب الكافي" (1 / 116) .
فبشر صاحبك بسعة رحمة الله ، وعظيم عفوه ، وفرحه بتوبة عبده وإقباله عليه وإنابته إليه .
فليسارع إلى التوبة وليرجع إلى الله وليترك أهل السوء وليصاحب أهل الصلاح .
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (9222) ،(36674) ، (46683) .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال :
كنت أتساءل : ماذا يعنى كون المرء ملعونا من قبل الله ؟! ؛ فهل هناك لذلك
مجال مرئي له مذاق وملمس ؟! ، وعندما يكون الشخص ملعونا ، فهل هذا يعنى أن
الله يضع الشخص في عالم مجنون وغير معقول ، ويؤذيه ويتحدث إليه ، أم إنها
مجرد لعنة بسيطة ، ومجرد قول لا غير ؟! .
وأيضا : أود أن أعرف : إذا كان الشخص ملعونا من الله ، هل هذا يعنى أنه لا يمكنه دخول الجنة ، أو : لن يغفر له الله لأنه ملعون ؟
أنا لدي صديق كان يعيش حياة طيبة إسلامية ، وبدأ يصوم في سن العاشرة ،
وتوقف عن ذلك في الخامسة عشرة من عمره ، لأنه بدأ يرافق غير مسلم ، وأخذ
يدخن الحشيش ، وبعدها كان يشرب الخمر ، وعندما كان في بلدة أخرى قام بتدخين
الحشيش ثانية ، ثم دخل في نفس المدينة في علاقة مع غير مسلمة ، ومارس
الجنس وارتكب الزنا ، واستمرت العلاقة حوالي 6 أشهر قبل أن يقطعها ، لأن
أخته ووالدته أخبرتاه أنها علاقة حرام وشريرة ، فقال إنه لا يمكنه
الاستمرار في العلاقة وتركها وترك أيضا حياة العصابات ، وكنت أتساءل هل
يمكن أن يغفر الله له ؟ وما هي عقوبة ذلك إن لم تكن هناك عقوبة أبدية ؟
وأيضا : فإن ذات الشخص بدأ يسمع أصواتا ، وقالت له : هذه الأصوات إنها
أرواح ، وبدأ يتحدث مع الله ، وقال له الله : إنه سيغفر له ، لكن يقول له
صوت الله أحيانا : إنه لن يغفر له ، ويرى أشياء لا يراها الآخرون ، فهل هو
ملعون ؟
وإذا كان كذلك في الدنيا ، فهل يمكن أن يغفر له؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
" اللَّعْنُ : الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ ، وَقِيلَ : الطَّرْد
والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء ... وكلُّ
مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَبعده عَنْ رَحْمَتِهِ وَاسْتَحَقَّ العذابَ
فَصَارَ هَالِكًا "
انتهى من "لسان العرب" (13/ 387-388) .
والملعون إما أن يكون كافرا فهذا مطرود من رحمة الله مبعد عنها إلى عذاب الله .
وإما أن يكون مسلما ولكنه فعل فعلا يستحق عليه اللعن ، كشرب الخمر وأكل
الربا وسب الوالدين ونحو ذلك من الذنوب العظام ، فهذا لا يكون إلا في كبائر
الذنوب ، ولا يعني ذلك خلوده في النار ؛ لأن من مات من أهل التوحيد على
التوحيد والإسلام وإن دخل النار بذنوب فعلها فإنه لا يخلد فيها ، وهذا مذهب
أهل السنة والجماعة .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
" اللعن : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، ولا لعن على فعلٍ إلا من كبائر
الذنوب ، ولهذا قال العلماء : كل ذنبٍ كانت عقوبته اللعنة فهو من كبائر
الذنوب " .
انتهى من "دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص 57) .
فمن فعل فعلا استوجب كفره ومات على ذلك ولم يتب منه ، فهذا ملعون بمعنى أنه استوجب عذاب الله الخالد ، الذي لا يخرج منه أبدا .
وأما
من كان من المسلمين ، ففعل فعلا عظيما استوجب غضب الله عليه ، أو لعنته ،
فهذا لم يخرج من الإسلام بمجرد ما وقع منه من الكبيرة ، أو بمجرد حكم الله
له باللعنة ؛ بل هو في مشيئة الله تعالى : إن شاء عذبه على ما استوجبه
بعمله ، وإن شاء عفا عنه سبحانه بمنه وكرمه ؛ لكنه إذا عذبه عذبه ما شاء أن
يعذبه ثم يخرجه من العذاب ، فهذا ليس له العذاب الخالد .
ولا
شك أن شرب الخمر والحشيش وفعل فاحشة الزنا من كبائر الذنوب التي تستوجب
سخط الله وعذابه ، ولكن من تلبس بشيء من ذلك ثم تاب تاب الله عليه ، شريطة
أن يكون صادقا في ندمه وتوبته ، مقلعا عما كان يقترفه من الذنوب والآثام ،
دائم الاستغفار مقبلا على الله .
قال الله تعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا
يُظْلَمُونَ شَيْئًا ) مريم/ 59، 60 .
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ
تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا )
الفرقان/ 68 – 71 .
ثانيا :
لعنة الله تعالى لمن استحق ذلك من عباده ، هي طرده لهذا العبد عن طريق
الهدى والرشاد ، وصرفه إلى طريق الغي والفساد ، أو هي كلامه سبحانه بما
يستحقه هذا العبد من اللعنة ، وذكره لهذا العبد بلعنته سبحانه وتعالى .
ولا علاقة لهذه اللعنة بعلامة رمزية تظهر على العبد ، أو تظهر له ، كأن
ينزل عليه شيء من السماء بمقتضى هذه اللعنة ، أو يظهر شيء في شكله وصورته ،
أو يرى شيئا يدله على هذه اللعنة ، أو نحو ذلك من الأوهام ، ولا علاقة لها
أيضا بأن يصيبه شيء من الجنون أو الجذام ، أو غير ذلك من الأسقام ؛
فاللعنة حكم شرعي ، يتعلق بدين الرجل في الدنيا ، ومصيره عند ربه في الدار
الآخرة ، وربما بدا لك من الشخص أنه من أنعم الناس عيشا ، وأبهاهم صورة
ومنظرا ، وهو ملعون عند الله ، مطرود من رحمته . وربما بدا لك من شخص أنه
من أقل الناس قدرا ، وأضيقهم عيشا ، وأقلهم حظا ، أو أوحشهم صورة ، ثم هو
عند الله من الناجين الفائزين المرحومين .
ثالثا :
الذي يراه صاحبك من أشياء لا يراها غيره ، والذي يسمعه من أصوات تزعم أنها
أرواح ، وهذا الذي يأتيه ويقول له أنه الله وأنه سيغفر له ، أو لن يغفر له :
كل هذا وأشباهه من تلبيس الشيطان عليه واحتياله وتسلطه ليبعده أكثر عن
الله ، وكل ذلك من الباطل الذي لا حقيقة له ، والذي لا أثر له في الحقيقة
على من وفقه الله للتوبة والإنابة والرجوع إلى ربه .
وأما
صوت الله فلا يسمعه أحد من البشر في الدنيا إلا الأنبياء ، ولا نبي بعد
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهكذا لا يرى أحد ربه حتى يموت ، ونراه في
الدار الآخرة ، نسأل الله أن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم .
وكل
ما يجب على صاحبك الآن : أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا : فيقلع عن
هذه الذنوب والمعاصي التي أوقعه فيها عدوه اللعين ، وأن يندم على ما فات
منه ، وأن يسارع إلى إصلاح اللحظة التي يحياها بطاعة الله تعالى ، والإكثار
من الخيرات ، والإقبال على الله بحسن الظن فيه ، والرجاء له ، والرغبة
فيما عنده سبحانه ؛ قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
) الزمر/ 53 .
وروى ابن ماجة (4250)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ : ( وَسَلَّمَ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ )
. حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْله ( التَّائِب مِنْ الذَّنْب ) إِطْلَاق الذَّنْب يَشْمَل الذُّنُوب
كُلّهَا ، فَيَدُلّ الْحَدِيث عَلَى أَنَّ التَّوْبَة مَقْبُولَة مِنْ
أَيّ ذَنْب كَانَ ، وَظَاهِر الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَة
إِذَا صَحَّتْ بِشَرَائِطِهَا فَهِيَ مَقْبُولَة " انتهى من " حاشية السندي
على سنن ابن ماجه " ( 2/ 562 ) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" الذُّنُوبُ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ فَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ أَحَبَّهُ
اللَّهُ وَقَدْ تَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ بِالتَّوْبَةِ ، فَمَنْ قُضِيَ لَهُ
بِالتَّوْبَةِ كَانَ كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : " إنَّ الْعَبْدَ
لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ وَإِنَّ الْعَبْدَ
لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ
يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا
وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا " .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ) .
وَالْمُؤْمِنُ إذَا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ
عَنْهُ بِعَشَرَةِ أَسْبَابٍ : أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ
فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، أَوْ
يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ ، أَوْ يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُوهَا
فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ، أَوْ يَدْعُو لَهُ
إخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا ،
أَوْ يَهْدُونَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ
بِهِ ، أَوْ يَشْفَعُ فِيهِ نَبِيُّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِمَصَائِبَ
تُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي الْبَرْزَخِ بِالصَّعْقَةِ
فَيُكَفِّرُ بِهَا عَنْهُ ، أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ
مِنْ أَهْوَالِهَا بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ ، أَوْ يَرْحَمُهُ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ .
فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (10 / 45-46) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ،
وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا أنه يبدل سيئاته
حسنات ، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : ( قل يا عبادي
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
إنه هو الغفور الرحيم ) فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق
التائبين خاصة " انتهى من "الجواب الكافي" (1 / 116) .
فبشر صاحبك بسعة رحمة الله ، وعظيم عفوه ، وفرحه بتوبة عبده وإقباله عليه وإنابته إليه .
فليسارع إلى التوبة وليرجع إلى الله وليترك أهل السوء وليصاحب أهل الصلاح .
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (9222) ،(36674) ، (46683) .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب